رأى وزير الداخلية اللبناني زياد بارود «ان مدركات الفساد اللبناني لا ترتبط في الضرورة وفي شكل حصري بإداء الادارة بمعنى القطاع الاداري العام، وانما تشمل ايضاً وعلى حد سواء القطاع الخاص ايضاً في تداعيات تعامله مع القطاع العام و/او شراكته في «عملية بناء الدولة». واعتبر في كلمة القاها ممثلاً رئيس الجمهورية ميشال سليمان في افتتاح مؤتمر «نحو استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد» تنظمه «الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية - لا فساد» بالتعاون مع برنامج الاممالمتحدة الانمائي ان «جميع المحاولات منذ 1990، في اتجاه وضع حد للفساد، على الاقل على مستوى الادارة، كانت كلها ظرفية وموقتة وعابرة، ولم تقترن بإرادة سياسية فيها من التصميم ومن توفير الامكانات ما يكفي للانتقال من حيز ادراك الازمة الى حيز القضاء عليها وعلى مسبباتها». وقال: «الفساد في لبنان ليس خفياً ومستتراً، اذ تكرست ثقافة الفساد والفاسدين في غياب المساءلة. اما فتح الملفات واقفالها، فإرادة سياسية بإمتياز في انتقائية تقوم على قاعدة الولاء كمعيار للتمييز. ناهيك بالخشية من محاسبة قد ينظر اليها من قبل البعض كمحاسبة طائفية او مذهبية او مناطقية». ونبه بارود الى «ان استمرار غرق لبنان في وحول فساده يرتبط في شكل عضوي بما يدره الفساد على جزء من مكونات السلطة والفئات التي ترتبط بها من منافع. مع العلم انه نسبة الى احد تقارير لجان الاممالمتحدة في العام 2001، تهدر الدولة نحو بليون وخمسمئة مليون دولار سنوياً نتيجة للفساد المعمم على كل الصعد الحكومية». وكشف عن ان «منبع الفساد السياسي هو قانون الانتخاب نفسه، وان ما وصلت اليه حلقة الفساد من تطوير واتساع انما يجعل من الصعب فعلاً احداث تغيير جذري في الذهنية الانتخابية على رغم المحاولات التي يقوم بها المجلس النيابي والحكومة ووزارة الداخلية والتي على ابعد حد نأمل بأن تكون احدثت خرقاً في جدار تقاسم الحصص وانحياز الدولة. ولا يراد بهذا الكلام التشكيك في قدرة اللبنانيين واللبنانيات على حسن الاختيار، لكنه واقع لا بد من التوقف عنده، انه واقع الزبائنية التي حلت محل المواطنية، فبات بعض اهل البلد يستجدون الخدمات من موزع حصري معتمد، بدل ان يكونوا مواطنين تحكم علاقتهم بالدولة معادلة تسديدهم الضريبة». وقال: «إنه واقع الارتباط بالدولة على قاعدة الخدمات في مقابل الولاء. انه واقع التوظيف السياسي والارتهان من اجل استمرار الرضا وحلول البركة. فقط المدركات السياسية تستطيع التغيير على اساس ارادة تدرك خطر الانزلاق الى قعر ما نذهب في اتجاهه». وامل بارود بأن «تساهم هيئة الاشراف على الحملة الانتخابية في الحد من فوضى الانفاق الانتخابي على رغم الثغرات القانونية التي تحد من صلاحياتها، وعسى تصويت المجلس النيابي بالاجماع على خفض سن الاقتراع الى 18 سنة، يبرز حالة متحررة ويطلق ثقافة جديدة تقاوم الفساد»، معرباً عن ثقته بأن «مكافحة الفساد امر ممكن ولو تدريجاً»، داعياً الى «دعم اقرار قانون حق الاطلاع» وهو بات منجزاً وسيعلن عنه في 9 نيسان (ابريل) المقبل. كما لا بد من سلوك الآليات التطبيقية لقانون وسيط الجمهورية الذي اقر في 4 شباط (فبراير) 2005 ولا يزال ينتظر مراسيمه التطبيقية». واعتبر الامين العام للجمعية اللبنانية فادي صعب «ان آلية مكافحة الفساد قد تكون اشبه بالسهل الممتنع نظراً الى سهولة التوافق على المبادئ والعناوين العامة وصعوبة تطبيق سلسلة الاجراءات الضرورية للنجاح في هذه المهمة». وقال: «ان الخطوة الاولى في مسيرة الألف ميل يجب ان تبدأ بالامتناع عن توجيه اصابع الاتهام للغير والتوقف عن عرض الامور في شكل سطحي من دون الارتكاز الى حلول شاملة قابلة للتطبيق». ورحبت ممثلة برنامج الاممالمتحدة الانمائي مارتا رويدس بالتزام الحكومة مكافحة الفساد، كما اعرب عنه رئيس الجمهورية في خطاب القسم وبيان الحكومة الحالية، معلنة ان «برنامج الاممالمتحدة الانمائي وحد جهوده مع الجمعية اللبنانية للشفافية لتنفيذ مشروع مشترك عنوانه: نحو حوار وطني حول الفساد في لبنان»، مشيرة الى «تنفيذ عدد من الانشطة في اطار المشروع». وقدر رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين فادي عبود «الكلفة اليومية للفساد بأكثر من ثلاثة ملايين دولار يومياً من الرشاوى، وهذه تصل الى نحو البليون دولار سنوياً». ورأى «ان القطاع العام هو الذي يحتاج الى تطهير من الفساد وتطبيق معايير الحوكمة»، لافتاً الى «ان العديد من اكلاف لبنان الباهظة تأتي بسبب الرشوة»، مشيراً الى «ان القطاع الخاص لا يعمل في الفراغ وهو يحتاج الى مؤسسات ممتازة تدعم النشاط الاقتصادي». ورأى «ان لبنان في حاجة اليوم الى هندسة اختصاصية تساعد على عزل الفساد».