كبّدت انتفاضة مصر وما رافقها من اضطراب سياسي الأسواق المالية والاستثمارية في مصر والمنطقة خسائر في الأجل القريب، إلا أن التقرير الأسبوعي لشركة «المزايا القابضة» الإماراتية توقع أن يكون هذا الوضع موقتاً، مرجحاً عودة الظروف الاستثمارية المواتية التي سادت قبل الانتفاضة. وأشاد التقرير بتعامل مصر مع أزمة المال العالمية في شكل سلس، على رغم مواجهتها خسائر بسبب أزمتها الداخلية تفوق تلك التي عانتها بسبب الأزمة العالمية بسبب تأثير الانتفاضة سلباً في السياحة والاستثمار الأجنبي وعوامل أخرى. وكان تقرير لشركة «بيكتيت» لإدارة الأصول، توقع تراجع الاستثمارات الأجنبية الموجهة لمصر بسبب «حذر» المستثمرين من التواجد في مصر حتى إجراء الانتخابات الرئاسية هذه السنة. ولاحظ معدو التقرير أن الحكومة المصرية كانت قبل اندلاع التظاهرات تتأهب لاستقطاب استثمارات جديدة بحجم يصل إلى 14 بليون دولار عام 2011، في مقابل 6.8 بليون دولار في 2010. وبحسب تقرير ل «منظمة الأممالمتحدة للتجارة والتنمية» (أونكتاد) عام 2010، نجحت سوق الاستثمار المصرية في احتلال المركز الأول بين دول شمال إفريقيا، والمركز الثاني على مستوى القارة الإفريقية، في مجال جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. مناخ الاستثمار وأظهر تقرير عن مناخ الاستثمار في مصر صدر عن «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية»، أن مصر حققت نجاحاً في تطوير سياسات الاستثمار خلال السنوات القليلة الماضية بإزالة القيود الحمائية في بعض القطاعات ما ساعد في زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر وتحسين بيئة الاستثمار. واحتفظت مصر وفقاً لتقرير ممارسة نشاطات الأعمال الصادر عن «مؤسسة التمويل الدولية»، للسنة الرابعة بمكانتها من ضمن الدول ال 10 الأكثر إصلاحاً لبيئة الأعمال على مستوى العالم، إذ احتلت مصر المركز 106 في تقرير عام 2010 بدلاً من المركز 165 في تقرير عام 2007. يُذكر أن صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر ارتفع من 509 ملايين دولار عام 2000 - 2001 إلى 13.2 بليون دولار عام 2007 - 2008، قبل أن يهبط مرة أخرى إلى 6.8 بليون دولار عام 2009 - 2010. وبحسب المصرف المركزي المصري، سيتضرر النمو الذي كان متوقعاً أن يبلغ ستة في المئة، بسبب الأزمة السياسية، على رغم أن الاحتياطات الأجنبية لدى المصرف المركزي تبلغ 36 بليون دولار، وهي احتياطات عالية بحسب المعايير العالمية. ولفت تقرير «المزايا» إلى تراجع المؤشر الرئيس للبورصة المصرية 22 في المئة في ثلاثة أسابيع إلى أدنى مستوى في 28 أسبوعاً في إغلاق 27 كانون الثاني (يناير) الماضي، لكن هذا ليس أمراً غريباً، إذ هبط المؤشر 21 في المئة ما بين 28 نيسان (أبريل) و25 أيار (مايو) الماضي بينما فقد 19 في المئة في الأسابيع الخمسة التالية ل 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2009. سعر صرف الجنيه وشدّد التقرير على أن انخفاض الجنيه وتراجعه إلى أدنى مستوى في ست سنوات سيشكل أفضلية للمستثمرين الأجانب الراغبين في الاستثمار في الأصول المصرية، خصوصاً العقارات، فالجنيه وصل إلى أدنى مستوى له في ست سنوات عند 5.96 جنيه في مقابل الدولار، قبل أن يتدخل المصرف المركزي للمرة الأولى في سنتين في سوق صرف العملات الأجنبية إلى تراجع الدولار نحو تسعة قروش أمام الجنيه، وذلك لوقف المضاربات، بأن ضخ كميات كبيرة من العملة الأميركية، وأبدى استعداده للتدخل مجدداً في شكل مباشر في سوق العملة كلما دعت الحاجة. وأشارت «المزايا» إلى أن انخفاض سعر الجنيه في مقابل الدولار والعملات الأخرى سيرفع من قيمة التحويلات التي يرسلها آلاف المصريين العاملين في الخارج، والتي تمثّل مصدراً مهماً للأموال في مصر، ويقدر البنك الدولي أن نحو 7.6 بليون دولار حُوِّلت إلى مصر عام 2010. وبحسب وزارة الخارجية المصرية، يعمل حوالى ستة ملايين مصري في الخارج، منهم نحو 70 في المئة في دول الخليج، على رغم أن الجزء الأكبر من التحويلات يأتي من المصريين المغتربين في الولاياتالمتحدة الذين أرسلوا 2.2 بليون دولار العام الماضي. وارتفع حجم التحويلات من المصريين في الخارج بنسبة 39 في المئة إلى 9.75 بليون دولار في السنة المالية 2009 - 2010. وجاءت التحويلات من الكويت في المركز الثاني عند 1.5 بليون دولار، في حين أرسل المصريون المقيمون في السعودية بليون دولار. قطاع العقارات وأكد تقرير «المزايا» أن السوق المصرية الكبيرة تضمن طلباً فاعلاً على العقارات يزيد عمّا يمكن السوق العقارية أن تعرضه عند 400 ألف شقة سنوياً، يذهب 70 في المئة منها إلى الشباب في فئة الشقق الاقتصادية. ولذلك يبدو النقص واضحاً، إذ أن شباباً مصريين كثيرين يطالبون بتوافر شقق ووحدات سكنية بأسعار ملائمة لمداخيلهم. وأبدت «المزايا القابضة» ثقتها بمستقبل سوق العقارات في مصر في الأجلين المتوسط والبعيد، متوقعة للاضطراب السياسي والأمني أثراً مباشراً قريب الأجل في تقويمات المستثمرين ورغبتهم في زيادة حيازاتهم العقارية، في وقت يبدي مستثمرون تساؤلات حول مصير المشاريع العقارية التي لا تزال قيد الإنشاء، خصوصاً تلك المرتبطة بشخصيات مصرية مشتبه بتورطها في الفساد. ووفقاً لوزارة السياحة المصرية، يملك السعوديون أكثر من 1.6 مليون شقة ووحدة سكنية في مصر، ما بين القاهرةوالإسكندرية والساحل الشمالي، ويُعَدّون أكبر جالية عربية تملك عقارات في مصر، تليها الجالية الكويتية. ويقع 60 في المئة من العقارات التي يملكها السعوديون في القاهرة، و20 في المئة في الإسكندرية، و10 في المئة في منتجعات الساحل الشمالي، ومثلها في بقية المحافظات. وقدّرت «غرفة تجارة وصناعة الكويت» حجم الاستثمارات الكويتية في مصر بما بين 10 بلايين و15 بليون دولار موزعة على قطاعات كثيرة، أهمها السياحة والخدمات والزراعة والصناعة. ولاحظ تقرير «المزايا» أن القطاع العقاري المصري استطاع أن يتجاوز الأزمة نتيجة للطلب الداخلي الفاعل، فقطاعات العقارات في الدول المجاورة تأثرت لاعتمادها أساساً على الطلب الأجنبي، إلا أن قطاع العقارات المصري في حاجة إلى تنشيط للتمويل العقاري لاستعادة الطلب الفاعل وتعويض تراجع الاستثمارات الأجنبية. وكانت وزارة التنمية الاقتصادية المصرية رجحت أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.5 في المئة على الأقل في السنة المالية الحالية التي بدأت في الأول من تموز (يوليو) الماضي. ووفقاً لبيانات حكومية، نما الاقتصاد المصري بنسبة 5.9 في المئة في الربع الأخير من 2009 - 2010، ارتفاعاً من 5.8 في المئة في الربع الثالث و5.1 في المئة في الربع الثاني. وتراجع الاقتصاد المصري إلى 4.7 في المئة في 2008 - 2009 من مستويات قياسية بلغت 7.2 في المئة في 2007 - 2008 بسبب تراجع إيرادات السياحة وقناة السويس والاستثمار الأجنبي المباشر. وجذبت مصر 6.8 بليون دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال السنة المالية المنتهية في حزيران (يونيو) الماضي، مقارنة ب 8.1 بليون دولار في 2008 - 2009، بحسب بيانات المصرف المركزي. ويبلغ معدل البطالة في مصر، طبقاً لبيانات حكومية، نحو تسعة في المئة.