تكاد تجربة الشاب الفلسطيني رامي مهداوي (32 سنة) تكون مغايرة لمعظم المدونين في الوطن العربي. فمشروعه الشهير (pngof)، هو اختصار ل «منتدى مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني الإلكتروني»، تأسس في عام 2007، عبر شبكة «ياهوو»، وبات يضم أكثر من 7500 فلسطيني، وصار الأشهر في عالم التفاعل الإلكتروني والتدوين في فلسطين. تحول المنتدى إلى مساحة للفضفضة الجماعية، والتعبير عن الرأي بحرية، بل إن البعض تعاطى معه كمدونة عامة فيما بات العديد من المؤسسات وحتى الشركات تتعاطى معه كمساحة للإعلان عن نشاطاتها وفعالياتها. أما الإعلاميون والكتاب فباتوا يرون في المنتدى مساحة لنشر ما لا يمكن نشره في وسائل إعلامية فلسطينية رسمية وخاصة يعملون فيها منذ سنوات. ويشير مهداوي، الذي يحمل درجة الماجستير في «الديموقراطية وحقوق الإنسان»، ويعمل في وزارة العمل الفلسطينية، إلى أن فكرة المنتدى تبلورت وتحولت إلى واقع ملموس في عام 2007، من باب استخدام الفضاء الإلكتروني للتشبيك بين الفلسطينيين من مختلف الشرائح الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، والدينية، فالمنتدى «لا انتماء له سوى فلسطين وقضاياها، وهو مساحة للتعبير الحر، وليس منحازاً إلى أي طرف». ويؤكد مهداوي أن ثمة نوعاً من التنظيم لما ينشر عبر المنتدى، فهو لا يمرر أية مادة مكتوبة تشتمل على قدح وشتائم وتشهير واتهامات لا دلائل عليها، مع التعميم على جميع المشاركين، بأن من يكتب يتحمل مسؤولية ما يكتبه. ويقول: «حتى أنني بت أتحقق من بعض المعلومات التي ترد في بعض المقالات والآراء قبل نشرها لكني لا أتدخل في رأي صاحبها»، مشيراً إلى أنه تم تشكيل لجنة استشارية من شخصيات لا تريد الإفصاح عن نفسها، يتم الأخذ برأيها ببعض «الكتابات الإشكالية». وكان رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، أمر بتشكيل لجنة تحقيق مع مهداوي، لنشر المنتدى تقريراً لصحافية فلسطينية تتهم فيه وزيرة الشؤون الاجتماعية وقيادة الشرطة الفلسطينية بالضلوع في ما أسمته «فساداً» يطاول أعراض الفلسطينيات فيما يعرف باسم «البيوت الآمنة»، وهي الأماكن المخصصة لحماية فتيات ونساء من عنف متوقع أو واقع من أقارب لهن. وحول هذه الحادثة يقول مهداوي: «الصحافية هي من تتحمل مسؤولية ما كتبته، وليس المنتدى المعروف بسياسته المفتوحة للجميع. أعتقد أن تشكيل لجنة التحقيق تم كوني موظفاً في وزارة تتبع السلطة الفلسطينية، وأتحت المجال لمقال يهاجم وزيرة في هذه السلطة، لكن التدخل الذي تم عبر بعض الشخصيات الاعتبارية من أكاديميين وحقوقيين وصحافيين فلسطينيين لعبوا دوراً إيجابياً في التراجع عن القرار». ويعيش مهداوي حالة يصفها بالمزعجة، بخاصة مع ما يعيشه الفلسطينيون من انقسام داخلي. ويقول: «أنصار حركة فتح يتهمونني بالانحياز إلى حماس، والعكس، واليسار الفلسطيني لا يبتعد عن هذه الدائرة. هذا أمر صعب للغاية، فلكل من الأعضاء رأيه، لكني أرى أن انتقاد الجميع لي وللمنتدى يدل على حياديتنا»، كاشفاً أن اتصالات هاتفية تصله من مجهولين تحمل أحياناً نبرة تهديد ووعيد على اعتبار أنه «تجاوز الخط الأحمر». وتقدم مهداوي بطلب إلى وزارة الداخلية الفلسطينية منذ أكثر من عام لترخيص مؤسسة «جسور الديموقراطية»، التجسيد المؤسساتي للمنتدى، والتي بدأت تتواجد على أرض الواقع، مع أنها لم تحصل على الترخيص بعد، «لأسباب يجهلها»، لافتاً إلى أن القانون الفلسطيني يشير بصراحة إلى أن المؤسسة قانونية حال لم يتم رفضها خلال شهرين، أي أن المؤسسة مسجلة ضمنياً، لكن بلا شهادة من وزارة الداخلية. وخاض المنتدى العديد من «المواجهات» مع شخصيات رسمية وعامة حول قضايا بعينها، مثل توجيه أسئلة لشخصيات من خلال المنتدى يتم رفعها إليها ومن ثم تعميم الإجابات. ومن أبرز من تمت «مواجهتهم» القيادي في حركة «فتح» الأسير مروان البرغوثي، ووزير الاقتصاد الفلسطيني حسن أبو لبدة، والإعلامي وليد العمري، ورئيس ديوان الرئاسة الفلسطينية السابقة رفيق الحسيني. ونظمت «جسور الديموقراطية» مواجهات مباشرة، لا إلكترونية، مع عدد من المسؤولين، كان آخرها مع، رئيس دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات حول حملة «كشف المستور» التي قادتها قناة «الجزيرة» الفضائية، وكشفت فيها عن وثائق وصفتها بالسرية تدين سلوك المفاوض الفلسطيني. ولا يقتصر نشاط المهداوي على الأراضي الفلسطينية بل يشارك في المؤتمرات العربية والدولية، ومنها مؤتمر المدونين العرب في لبنان قبل عامين، والتقى خلاله عدداً من قادة الثورتين التونسية والمصرية. ويقول: «يؤلمني أن يهتم الكثير من المؤسسات الدولية والعربية بما أقوم به، بينما أحارب في بلدي في كثير من الأحيان، ربما لكشفنا قضايا معنية كان يجب أن تبقى غائبة، أو إسماع أصوات كان يراد لها أن تبقى صامتة، أو الخشية من أن تحتل مواقع ريادية يراها البعض تهدد حضورهم ومراكزهم ومواقعهم القيادية في فلسطين، وإن لم أحارب فإنني أعاني الإهمال». ويكشف مهداوي أن الثورات الشعبية الأخيرة التي تمت عبر ناشطين إلكترونيين في بعض الدول العربية، دفعت مسؤولين فلسطينيين إلى عقد لقاءات وصفها بالودية معه، ليتعرفوا الى الواقع في فلسطين، وهو أكد لهم أن ما يحدث على أرض الواقع ينتقل إلى الواقع الافتراضي الإلكتروني، وأن على السلطة الفلسطينية التفاعل مع الشارع وطلباته وربما تذمراته عبر وسائط التواصل الإلكترونية، سواء العالمية منها، أم المحلية. ويقول: «بدأت ألاحظ شخصيات رسمية في السلطة الفلسطينية والعديد من الفصائل والأحزاب السياسية تنخرط في العالم الإلكتروني، وتتفاعل بشكل أو بآخر مع الشباب الذي يقود الحراك الإلكتروني بجميع مستوياته وتجلياته، في فلسطين، كما في العالم أجمع»، كاشفاً عن أن السماح بالمسيرة المؤيدة للثورة المصرية في رام الله، وبعد رفض سابقاتها، تم بضغط من المنتدى ومواقع التواصل الاجتماعي العالمية ك «فياسبوك» و«تويتر». ويختتم مهداوي حديثه بوصف ما يحدث من ثورات شبابية في العالم العربي بدأت عبر الإنترنت، بأنه الموجة الثالثة من الديموقراطية, مشيراً إلى ضرورة أن يعي أي نظام سياسي عربي أن الشباب ليسوا وقود الأنظمة، بل هم حماة الوطن، وطلاب الحرية، ووقود الثورات أيضاً، وأنه يجب عدم الاستهانة بهم أو التقليل من تأثيرهم أو تهميشهم.