فرص وزير الثقافة المصري فاروق حسني بالفوز بمقعد رئاسة منظمة «يونسكو» تعرضت ل «هزات» كثيرة خلال الأيام القليلة الماضية زادت من القلق على مصير الوزير المرشح الذي يتولى منصبه الوزاري منذ ما يزيد على 21 عاماً. تزامنت تلك «الهزات» مع إغلاق أبواب الترشيح للمنصب الدولي الرفيع المستوى نهاية أيار (مايو) الماضي، وتمثلت أولاً في ازدياد عدد المرشحين الذين تجاوز عددهم تسعة وأبرزهم نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر ياكوفينكو، أما الباقون فهم من ليتوانيا وبلغاريا وتنزانيا والجزائر وبنين، إضافة إلى وزيرة الخارجية النمسوية السابقة ورئيسة المفوضية الأوروبية الحالية للعلاقات الخارجية بينيتا فيرارو فالدنر، وكذلك سفير الإكوادور السابق لدى واشنطن إيفون أيه باكي، ومساعد المدير العام الحالي للاتحاد الأفريقي، نوريني تيجاني سريوس الذي أعلن ترشيحه في الأيام الأخيرة في خطوة اعتبرت محاولة للحصول على أصوات القارة السمراء التي كانت في عداد الأصوات المضمونة بحسب مراجع الوزير المصري. وعلى رغم ذلك تعمل الديبلوماسية المصرية على تكثيف حملات الدعم للمرشح المصري بأمل حسم نتائج التصويت لمصلحته، معتمدة على تأييد الجامعة العربية والدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي. وتنشط كذلك لكسب أصوات المجموعة الآسيوية ولها 12 صوتاً، والمجموعة الأفريقية ولها 14 صوتاً، والأوروبية ولها 16 صوتاً، ومجموعة أميركا اللاتينية ولها 10 أصوات، والمجموعة العربية ولها 6 أصوات في المجلس التنفيذي لل «يونسكو» الذي يمثل أعضاؤه ال58 الدول الأعضاء في المنظمة، وعددها 193 دولة وتمثل الدول العربية والأفريقية ضمنها 20 صوتاً. ومن المقرر انتخاب المدير العام الجديد قبل نهاية الصيف بالغالبية زائد واحد. وسيصادق المؤتمر العام لل «يونسكو» على هذا التعيين في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. ويزيد من صعوبة الجهود المصرية غموض موقف الكثير من الدول المؤثرة، فبعد تراجع روسيا عن تأييد المرشح المصري، تؤكد مصادر صحافية أن الكتلة الأوروبية لا تزال حائرة. بينما تركت فرنسا الباب مفتوحاً أمام حقها في الاختيار على رغم التصريحات الصحافية التي أطلقها وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط وعبّر فيها عن اقتناعه بدعم فرنسا لترشيح الوزير فاروق حسني. وإلى الصمت الفرنسي الرسمي تأمل مصر أن يخضع الموقف الأميركي الرافض لمرشحها لنوع من المراجعة. كل هذه المؤشرات تؤكد أن فرص نجاح الديبلوماسية المصرية في تحسين فرص مرشحها تبدو «هشة» بتعبير صحيفة «نيويورك تايمز» وذلك بسبب حملات الهجوم التي تشنها بعض الأصوات في وسائل الإعلام العالمية وتتحفظ على أي دعم أوروبي من الممكن أن يتلقاه. وتتركز تلك الحملات على موقف المرشح المصري من إسرائيل استناداً الى قرارات اتخذتها هيئات تابعة لوزاراته بمنع عرض أعمال فنية إسرائيلية في مصر أو تصريحاته التي انتقد فيها السياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة واستعداده ل «إحراق» الكتب الإسرائيلية التي قد يعثر عليها في المكتبات المصرية. وعبّرت عن هذا الاتجاه الغاضب من حسني صحيفتا «فرانكفورتر ألغماينه» الألمانية المعروفة و «لوموند» الفرنسية اللتان نشرتا مقالاً تحت عنوان «وصمة عار على اليونسكو» يوم الأحد 24 أيار (مايو) الماضي، لمعارضين لترشيح فاروق حسني، وعلى رأسهم الكاتب اليهودي إيلي فيزيل الحائز على جائزة نوبل للسلام (1986)، والمفكر الفرنسي بيرنار-هنري ليفي ومدير معهد وثائق محرقة الهولوكوست كلود لاناسمان. وقد ذكروا بتصريحات أدلى بها حسني عام 2001 واعتبرت معادية للسامية. وبحسب تقرير للإذاعة الألمانية انضم المجلس الثقافي الألماني إلى الأصوات المنتقدة لترشيح فاروق حسني، وقال رئيس المجلس أولاف زيمرمان إن «انتخاب فاروق حسني مديراً عاماً لل «يونسكو» سيكون خطأ فادحاً». وقال زيمرمان في بيان: «إن الشخص الذي يكون موضع شكوك سببها الإخفاق في احترام تنوع ثقافات العالم لا يمكن السماح له بتولي أهم منصب في السياسة الثقافية والتعليمية في العالم». وعلى رغم أن تصريحات حسني في شأن إسرائيل جرى تلقيها في مصر ضمن آليات المناورة التي كان الوزير يلجأ إليها دائماً في مواجهة نواب جماعة الإخوان المسلمين في البرلمان المصري إلا أنها كانت بمثابة «الشرك» الذي سهل من مهمة اللوبي الصهيوني للإيقاع بالوزير، بعد سنوات ممانعة كان الوزير يفخر خلالها باستجابته لنداءات المثقفين المصريين بعدم التطبيع الثقافي مع إسرائيل قبل إقرار السلام العادل مع الفلسطينيين. والحاصل أن الوزير المصري سلك أخيراً خطاً موازياً عمد فيه إلى إرسال جملة من إشارات الاطمئنان الى الأوساط العالمية بهدف المساومة، غير أنها لم تلق دائماً الصدى المفترض لدى قوى سياسية وثقافية مؤثرة في مصر استاءت من المقال الذي نشره في صحيفة «لوموند» الفرنسية قبل أيام رداً على الحملات التي تعرض لها وأعلن فيه أنه «يعتذر» عن كلامه بشأن «حرق الكتب الإسرائيلية»، وهو مقال تم نشره بعد أيام من نشر تصريحات رسمية صادرة عن الخارجية الإسرائيلية أكدت أن إسرائيل لن تصوت ضد المرشح المصري الأمر الذي زاد من غضب الجماعة الثقافية المصرية على الوزير، وفتح أبواب الحديث عن «صفقة مصرية إسرائيلية» لشراء رضا اللوبي الصهيوني داخل إسرائيل وخارجها، وهو موقف اعتبرته قوى ثقافية مؤثرة في مصر «استجابة واضحة للابتزاز الإسرائيلي»، وسيكون لها «ثمن»، لافتين إلى أن مصر جديرة بمنصب المدير العام لل «يونسكو» لمكانتها الثقافية والحضارية التي لا يختلف عليها أحد، إضافة إلى أنها - كما قد لا يعرف البعض - واحدة من دول العالم ال20 المؤسسة لل «يونسكو» منذ عام 1946. وهذا الأمر يجعل من اعتذار حسني خطوة في المكان «الخطأ» قد تقلل من النجاح الذي حققه على الصعيد الداخلي في تسوية خلافاته مع بعض المثقفين الذين ظلوا لسنوات يقودون التيارات المعارضة لسياساته، لا سيما في مجال ترميم الآثار، وهي التيارات التي قد تصطف في الصفوف ذاتها التي تقف فيها القوى القومية والإسلامية التي لا تزال ترى في مساومة إسرائيل خطاً أحمر لا ينبغي تجاوزه على رغم كل شيء.