يبدو ان النتائج الظاهرية التي حققها (رئيس الوزراء العراقي) نوري المالكي في انتخابات مجالس المحافظات ما زالت تؤثر في تقويمه لقدرته على السيطرة على الحياة السياسية في العراق. فالنجاح الذي حققه يعتبر محدوداً بسبب الدستور العراقي والنظام الانتخابي الذي جعل إدارة البلاد بنسب معينة انتخابية لا يمكن ان تحصل عليها جهة سياسية واحدة، الأمر الذي يعني ان أي إدارة في العراق يجب ان تكون ائتلافية، ويشمل هذا المجالس البلدية وفي شكل أكبر البرلمان العراقي الذي تنبثق منه الحكومة العراقية برئيسها ووزرائها، أي ان السلطة بموجب هذا النظام لا يمكن ان تكون في يد جهة واحدة. فالائتلاف العراقي الشيعي على رغم كل ما حققه من نجاحات مبهرة في الانتخابات الماضية والتي سبقتها، إلا انه عجز عن تشكيل الحكومة بمفرده، فاضطر الى التحالف مع التحالف الكردستاني و «جبهة التوافق» وأجبر التحالف الكردستاني الائتلاف على إشراك القائمة العراقية في الحكومة تحت وطأة عرقلة تشكيل الحكومة. وحتى اختيار رئيس الوزراء لم يكن قراراً خالصاً للائتلاف الشيعي، فتدخل التحالف الكردستاني و «جبهة التوافق» لرفض إعادة ترشيح الجعفري واختيار المالكي بديلاً منه. هذه الحقائق الثابتة ما زال المالكي لا ينظر اليها بالحكمة المطلوبة أثناء اتخاذه القرار، والظاهر ان الرجل منصت ومنفذ لنصائح مستشاريه الذين غابت عنهم الحكمة السياسية، فساقوا الرجل في طريق اللاعودة. إذ ان المالكي يعاني أصلاً من فشل وزراء الائتلاف، خصوصاً وزراء حزبه حزب “الدعوة» وفسادهم الذي اصبح حديث الشارع العراقي، وحملته التي أطلقها ضد الفساد لم تقنع أحداً لأن الفساد موجودٌ في بيته، أي في وزراء حزبه. لقد نفد صبر العراقيين، لذا اضطرت حتى بقية مكونات كتلة الائتلاف الى سحب تأييدها لوزير التجارة عبدالفلاح السوداني المقرب جداً من المالكي وهو من وزراء حزب «الدعوة»، فلم يجد المالكي من يسانده في حماية الوزير الفاسد حتى بين كتلته الشيعية، عدا حزب «الدعوة»، ما جعله يضغط على وزير التجارة شخصياً الذي قدم استقالته على أمل أن ينجو من العقاب والملاحقة واسترداد الأموال التي حصل عليها هو ومساندوه من خلال عملياتهم غير المشروعة. لقد أصيب المالكي بخيبة جعلته يصوّب سهام غضبه نحو جميع حلفائه الحكوميين ووزراء الكتل الأخرى من طريق النائب المقرب منه ونائبه في حزب «الدعوة» علي الأديب مستعيضاً عن النائب العسكري كون الأخير يعاني من قرار قضائي بسبب السبّ والقذف الذي صدر منه بحق وزير الخارجية هوشيار زيباري. إن إعلان مكافحة الفساد أمر لا قيمة له، فأين كان المالكي منذ ثلاث سنوات ونصف السنة؟ أما التغيير الوزاري فأيضاً أمر لا يتوقع حصوله والانتخابات تبدو على مرمى خطوة واحدة من العراق، فما بقي للمالكي وحكومته ستة اشهر فعلية تعقبها أشهر قليلة كحكومة تصريف أعمال من دون صلاحيات مطلقة لحين تشكيل الحكومة الجديدة. والأيام المقبلة مرشحة للمزيد من التوترات بين المالكي ووزرائه من الكتل الأخرى، ولكن الأمور ستبقى على حالها الى موعد الانتخابات المقبلة. ويبقى الأهم ان المالكي لا يلعب بالنار فقط مراهناً على كرسيه في رئاسة الحكومة، بل على مستقبله السياسي.