فوض الرئيس المصري محمد حسني مبارك كامل سلطاته الى نائبه عمر سليمان بناء على الدستور، في خطاب القاه في وقت متأخر من مساء أمس، وأعلن الرئيس تعديل خمس مواد في الدستور والغاء سادسة تجاوباً مع مطالب الشباب المتظاهرين، هي المواد الاتية: 76 و 77 و 88و 93 و 189 فضلاً عن إلغاء المادة 179 وأكد أنه على اقتناع بمطالب الشباب، وقدم مبارك اعتذاره لعائلات ضحايا صدامات الاربعاء الماضي، وأكد محاسبة المتسببين في أعمال العنف، مشدداً على رفضه لأي تدخل أو إملاء خارجي. وكان الرئيس الاميركي باراك اوباما استبق خطاب الرئيس المصري حسني مبارك، بكلمة قال فيها: «العالم يشهد كتابة تاريخ جديد في مصر، والولايات المتحدة ستبذل كل ما في وسعها لدعم انتقال منظم وحقيقي إلى الديموقراطية في مصر». إلى ذلك، استنكر وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل تدخلات بعض الدول الأجنبية، في شؤون مصر الداخلية، وممارسة المزايدات على الشعب المصري، وأضاف: «أن هذا الأمر يتنافى مع أبسط القواعد الديبلوماسية والسياسية وميثاق الأممالمتحدة الذي ينص صراحة في مادته الأولى على احترام سيادة واستقلال الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية». جاء ذلك، في كلمة ألقاها في العاصمة المغربية الرباط أمس في افتتاح أعمال الدورة الحادية عشرة لاجتماعات اللجنة السعودية المغربية المشتركة للتعاون الاجتماعي. وكانت مصادر سياسية رفيعة المستوى أشارت ل «الحياة» في وقت سابق حدوث «توافق على التفويض، على أن يغادر الرئيس القاهرة إلى شرم الشيخ قبل أن يسافر إلى ألمانيا لإجراء فحوصات طبية هناك»، أعلنت القوات المسلحة «البيان الرقم 1» الذي أكدت فيه أن مجلسها الأعلى الذي اجتمع في غياب مبارك، «في حالة اجتماع مستمر لاتخاذ الاجراءات التي تكفل الحفاظ على الوطن وتأكيد وتأمين مكاسب الشعب المصري»، معربة عن تأييدها ل «مطالب الشعب المشروعة». واجتمع المجلس الذي يفترض أن يترأسه القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس الجمهورية ويضم وزير الدفاع ورئيس الأركان ومساعديهما ورؤساء قطاعات وأفرع الجيش، برئاسة القائد العام وزير الدفاع والانتاج الحربي المشير حسين طنطاوي، من دون مبارك الذي ظهر في وقت لاحق مجتمعاً مع نائبه ورئيس وزرائه الفريق أحمد شفيق، كل على حدة. واستبق بيان الجيش توقعات بيوم حاسم وتظاهرات حاشدة في أنحاء مصر عقب صلاة الجمعة اليوم، بعدما زاد الحديث عن دور الجيش والمدى الذي يتحمله في موقعه ما بين نظام الحكم والمحتجين وبعدما جرت إعادة انتشار الجيش في أنحاء مصر، إذ انسحبت دبابات ومدرعات من بعض الميادين في الشوارع الى أطراف القاهرة، فيما زاد الوجود العسكري في شكل لافت في محيط القصر الرئاسي. وترافق ذلك مع تصعيد لافت في شكل الاحتجاجات سواء في ميدان التحرير أو مناطق أخرى بينها محافظات بعيدة عن العاصمة، ما عكس اتساع نطاق الاحتجاجات وانتقال الثورة من المطالبات الشبابية إلى مطالبات شعبية زادت الضغوط لنيل حقوق نقابية إضافة إلى المطالبة برحيل مبارك. وبدا أن الجيش أراد حسم الأزمة السياسة المتفجرة، حين تعهد تلبية مطالب الجماهير، وبعث برسائل إلى المتظاهرين بأن مبارك بات خارج السلطة، إذ أعلن ضباطه وسط الجماهير المحتشدة في ميدان التحرير ومناطق أخرى أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة سيلبي مطالب المتظاهرين، قبل أن يبث التلفزيون الرسمي لقطات لاجتماع للمجلس. وجاء التطور الأخير بعدما وصلت رسالة إلى مبارك مفادها أن الأميركيين وأصدقاء عرباً يرون أن استمرار الأزمة سيؤدي إلى «طريق مسدود» والأفضل تفويض السلطات كاملة أو التنحي والبحث عن مكان آمن لتأمين خروجه. وتضمن بيان الجيش الذي تلاه مساعد وزير الدفاع اللواء أركان حرب محسن الفنجري رسالة مفادها أن «عهداً جديداً بدأ». ففي العلوم العسكرية والاستراتيجية تعد تسمية البيان الرقم واحد إيذانا ببدء مرحلة جديدة، خصوصاً أن الجيش كان درج على إصدار بيانات خلال الأزمة من دون ترقيم. وبدت الرسالة واضحة في ظل غياب مبارك عن اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو كان حريصاً في بداية الأزمة على الظهور وسط قادة الجيش في غرفة العمليات المركزية أثناء وضع خطة انتشار الجيش في مختلف أرجاء الجمهورية، ليتضح أن مبارك ترك الحكم في هدوء بعدما أنهارت مقاومته للإرادة الشعبية المطالبة برحيله. وتدخل الجيش لإدارة الأمور ومنع مشروع لتحرك الشارع وإشاعة الفوضى. وبذلك تكون مصر في حماية الجيش الذي استجاب للشعب ليرد له الجميل عندما استجاب الشعب للجيش العام 1952. ومعلوم أن العلاقة بين الجيش والمحتجين في كل أنحاء مصر بقيت طيبة عموماً، لكن ذلك لم يخف المخاوف من حكم الجيش، رغم أنه يحكم واقعياً منذ العام 1952، فمصر تدار بواسطة المؤسسة العسكرية بداية من تولي الرئيس محمد نجيب السلطة ثم الرئيس جمال عبدالناصر فالرئيس أنور السادات وأخيراً الرئيس مبارك. ولوحظ في البيان الأول أنه جاء هادئاً وكأنه أردا أن يبعث برسالة مفادها أن الجيش يتصرف حرصاً على الشعب، ومن تلقاء نفسه وليس بناء على أوامر من مبارك. وعبر «الإخوان المسلمين» عن القلق من حكم الجيش، فور إعلان بيان القوات المسلحة، وأكدوا تخوفهم من «عسكرة الدولة بعد مبارك». وقال عضو مكتب إرشاد «الاخوان» محمد مرسي: «نرغب في تغير الوضع القائم والتحول إلى دولة مدنية يحكمها القانون ودستور مدني وليس الانقلاب إلى حكم عسكري»، مشيراً إلى أن «التحركات الأخيرة تبدو وكأنها انقلاب عسكري، وهو ما يشعرنا بالقلق». وساهم استمرار الاحتجاجات لأكثر من أسبوعين في توسيع قاعدتها كماً ونوعاً، إذ انضمت محافظات في الصعيد إلى المناداة برحيل مبارك. وبدا حجم المطالبات العمالية في ازدياد كبير بعد أن شملت أمس للمرة الأولى مصانع حربية وأخرى تابعة للقطاع الخاص، ما دفع إلى التوقع بأن الاحتجاجات اليوم ستشهد تصعيداً أكبر وهو ما أراد الجيش تجنبه. وارتفع التصعيد السياسي الأميركي أيضاً، ما دفع سليمان إلى محاولة تخفيف الأجواء عندما أصدر بيانأً أوضح فيه أن تصريحاته عن عدم جاهزية مصر للديموقراطية «لم يتم فهمها في شكل صحيح». وظهر أن الحكومة تحاول إرضاء الناس كي لا تتسارع الاحتجاجات وترتفع وتيرة الدعوة إلى العصيان المدني، لكنها لم تتمكن من ذلك. وكشف بيان للنائب العام عن التحقيقات مع أمين التنظيم السابق في الحزب الوطني أحمد عز ووزراء في الحكومة السابقة، أن حجم الأموال المنهوبة يفوق التوقعات كثيراً، ما زاد نقمة الشعب على النظام الذي احتضن هؤلاء لسنوات طويلة. وظهر أن تقديم التنازلات من جانب النظام لن يرضي التظاهرات التي تمسكت بمطلب برحيل الرئيس. ويبقى أن جمعة اليوم ستكون اختباراً لمدى رضا الشارع عن تدخل الجيش.