بعد القبض على سفاحتي الإسكندرية ريا وسكينة وإعدامهما عام 1921، ظل أهالي ضاحية اللبان لسنوات يخجلون من ذكر انتمائهم إلى المنطقة. اليوم، وعلى العكس تماماً، باتت السفاحتان أيقونتين بصريتين، تُعلق صورهما في أرجاء مختلفة من الضاحية الشعبية، وإليهما تنسب مقاهٍ ومحال تجارية، بل أن أهالي الضاحية باتوا يتباهون بذكر انتمائهم إلى الحي الذي سكنت فيه المجرمتان، ما يعكس التناقضات والتغيرات التي مرت بالمجتمع السكندري. «بازار ريا وسكينة»، «كافيه ريا وسكينة»، «مقهى شعبي ريا وسكينة»، حتى موقف الباصات يدعى «محطة ريا وسكينة». وقد تصدرت صور السفاحتين شوارع الضاحية، وتضم لقطات نادرة للسيدتين خلال طفولتهما وزفاف كل منهما ووثيقة إعدامهما. سعيد عبده وهو صاحب أحد بازارت ريا وسكينة (44 سنة) لا يجد حرجاً في أن يطلق اسم السفاحتين على متجره، «فما يهمني هو لفت انتباه الزبائن ولا يعنيني كثيراً ما فعلتاه السيدتان، المهم عندي الابتعاد عن الأسماء التقليدية»، علماً أنه أول من جاءته الفكرة ومن ثم بادر بطباعة صور ريا وسكينة ونشرها في كل مكان. أما التلميذ حمادة (14 سنة) فيقول بفخر: «نعم أنا من ضاحية ريا وسكينة وهما شخصيتان شهيرتان. الأمر مدعاة للفخر وأتباهى به بين رفاقي في المدرسة». ويرى العامل نبيل عبد الباسط (35 سنة) أن كثيرين لا يهتمون بريا وسكينة كشخصين أو بجرائمهما، «الكل يجري سعياً وراء الرزق خصوصاً في منطقة شعبية فقيرة مثل اللبان»، لافتاً إلى أن ما يهم السكان أن منطقتهم اشتهرت عبر هاتين السيدتين اللتين نالتا ما تستحقانه من عقاب «فلماذا المبالغة؟». غير أن العم راضي (75 سنة) لا يبدي التسامح ذاته مع السفاحتين، متذكراً حالة الخجل التي كانت تنتاب السكان عند ذكر صلة الضاحية بهما، وهو الذي ولد بعد نحو عشرين عاماً من إعدامهما. وقد أرجع زوال حالة الفزع من سيرة السيدتين إلى بشاعة الجرائم التي ترتكب هذه الأيام بحيث تبدو جرائم السفاحتين شيئاً هيناً، وثمة «خلل واضح في منظومة قيم المجتمع المصري بسبب التحوّلات الجذرية التي طرأت على بِنية المجتمع خاصة عقب الربيع العربي الذي أظهر كثيراً من المتناقضات القبيحة». وأعادت الباحثة في التراث السكندري الدكتورة تغريد عبد الرحمن حالة التحول القيمي التي ظهرت أخيراً في كثير من مناحي الحياة إلى «اختفاء النسق الأخلاقي الحاكم لقيم الجمال والتراث حيث الحياة في ظل الفوضى والعبثية الصارخة جعلت الشباب يعيش حالة من التناقض والانسلاخ. فريا وسكينة وما تثيرانه من رعب حول تصرفاتهما الإجرامية تحولتا إلى مجرد اسم شهير جاذب للانتباه، ما جعل الشباب يتباهون بانتمائهم إلى المنطقة التي قبض على السفاحتين فيها عقب سنوات من الرفض والتخفي والتبرؤ من أهالي المنطقة تجنباً لحالة الذعر والاستهجان التي كانت تظهر لمجرد نطق اسم السيدتين. حتى أن منزلهما الذي كان يستخدم في شتى الأعمال المشبوهة ما زال مهجوراً ومرعباً حتى اليوم». في المقابل، تجد عبد الرحمن ميزة في ما يحدث حيث أقام المجتمع الشعبي ما يشبه «المتحف المفتوح» لصور ووثائق تاريخية وأنساق حياتية كانت سائدة في تلك الفترة، وهو ما لم تفعله الدولة التي كان من الممكن أن تحول منزل السفاحتين إلى متحف يتحدث عن تلك الفترة ويوثقها بما تستحق، فيوضع كل شيء في محله ويدرك الشباب حينها ما لهاتين السيدتين وما عليهما بدلاً من حالة التخبط القيمي الحالية. يذكر أن ريا وسكينة شقيقتان ولدتا في صعيد مصر وهجرتاه إلى الإسكندرية، حيث ارتكبتا جرائم وحشية بشعة هزت مصر آنذاك، فكانتا تستدرجان السيدات من زنقة السيدات في المنشية إلى منزلهما في حي اللبان حيث تقتلانهن لسرقتهن، فيما كانت المدينة الساحلية منشغلة بالانتفاضات الشعبية الشهيرة 1919، ما أتاح للعصابة العمل من دون عقاب. ولكن في النهاية قبض عليهما وحكم عليهما بالإعدام. وقد جُسّدت قصة السفاحتين في أكثر من عمل فني في قوالب مختلفة، منها فيلم «ريا وسكينة» الذي أخرجه صلاح أبو سيف عام 1953 وأدت فيه نجمة إبراهيم دور ريا وزوزو حمدي الحكيم دور سكينة.