إذا كانت نجومية بريجيت باردو في السينما الفرنسية قد اعتمدت على الإغراء، فإن نجومية جان مورو (1928- 2017) كانت مزيجاً من الإبداع والجمال والثقافة والتجربة والإغراء الطبيعي. فهي ممثلة مسرحية وسينمائية ومغنية وراقصة وكاتبة ومخرجة، وكانت أصغر امرأة تنضم إلى الفرقة الشهيرة «الكوميدي فرانسيز» في عام 1947، وبدأت التمثيل في بعض المسرحيات، فقدمت مع هذه الفرقة مسرحية ايفان تورغنيف «شهر في الريف» في مهرجان افينيون المسرحي، ثم مسرحية «الآلة الجهنمية» لجان كوكتو، و «بغماليون» لبرنارد شو، قبل أن تظهر في أدوار سينمائية مع كبار المخرجين والممثلين. وكانت البداية في فيلمي المخرج لوي مال «مصعد إلى المشنقة» و «العشاق» حيث أطلقت عليها الصحافة لقب «باردو الجديدة». سيدة الموجة الجديدة كانت مورو الأوفر حظاً بين الممثلات الفرنسيات في أدوار البطولة في أفلام «الموجة الفرنسية الجديدة»، مثل «جول وجيم» و «أربعمئة ضربة» و «عروس في ثياب الحداد»، لفرانسوا تروفو، و «المرأة هي المرأة» لغودار، و «المسرح الصغير...» لجان رينوار، و «ألعاب خطرة» لروجيه فاديم. وارتبطت مورو بعلاقات عمل وصداقة مع عدد كبير من أعلام الفن والثقافة، مثل جان كوكتو، تروفو، جان جينيه، هنري ميلر، مرغريت دوراس، واورسون ويلز الذي قال عنها: «إنها أعظم ممثلة في العالم»، بينما كتبت مورو عن ويلز تقول: «حينما يمتلك اورسون ويلز آلة التصوير يمتلكنا، في المشاهد المتدفقة واللقطات القريبة والكلمات وحركة الكاميرا. إن عين كاميرا ويلز تنظر، تحدق، تتفرس، تحملق، وكل هذا يصنع التعويذة السحرية التي تهزم التعويذة الشريرة، فنشاهد ونعرف أننا لم نُخدع». تزوجت جان مورو ثلاث مرات: من جان – لوي ريتشار (وأنجبت منه ابنها جيروم)، ومن تيودور راسباني، ثم من المخرج الأميركي ويليام فريدكين... قدمت مورو أدواراً كبيرة في نحو خمسة وستين فيلماً، على مدى نحو ستين عاماً، وعملت مع أكبر عدد من أهم المخرجين الأجانب، وبرزت في ثلاثة أفلام للمخرج جوزيف لوزي هي: «ايفا»، «المستر كلاين»، و «سمكة الترويت»، ومع ايليا كازان في فيلم «العملاق الأخير»، ومع جون فرانكنهايمر في فيلم «القطار»، وكارل فورمان في فيلم «المنتصرون». وقدمت أدواراً في أفلام من اورسون ويلز، هي: «المحاكمة»، «أجراس منتصف الليل»، «الحكاية الخالدة»، كما اشتركت معه ممثلاً في بطولة فيلم «بحّار من جبل طارق» للمخرج البريطاني توني ريتشاردسون. وفي أهم المهرجانات السينمائية كان لها حضور بارز، فترأست لجنة تحكيم مهرجان برلين السينمائي عام 1983، وحصلت على أكثر من خمس عشرة جائزة عالمية. وعملت مورو مع بيتربروك في مسرحية مارغريت دوراس «موديراتو كانتابيل» التي تحولت إلى فيلم، ثم مع توني ريتشاردسون في فيلم «مدموزيل». ويذكر أن ريتشاردسون اتفق مع مورو على الزواج في عام 1967، وبعد أن انتهى من طلاق زوجته الفنانة فانيسا ريدغريف بسرعة وصل إلى جان مورو لترتيب حفل الزواج، فوجد أنها غيرت رأيها ورفضت حتى الحوار في هذا المشروع. وظهرت مورو مع عمر الشريف وانغريد بيرغمان في فيلم «الرولز رويس الصفراء» للمخرج انتوني آسكويث وعملت مع المخرجين الإيطاليين انطونيوني واغوستيني، ومع الإسباني لويس بونويل في فيلم «مذكرات خادمة»، ومع فيم فندرز في فيلم «حتى نهاية العالم»، ومع الصيني مينغ - ليان في فيلم «الوجه»، وكان آخر دور سينمائي لها في فيلم «استونية في باريس» عام 2012. وفي مجال آخر، أصدرت مورو ألبومات عدة تتضمن أغانيَ تنشدها بنفسها وبصوتها الناعم الذي كثيراً ما ميّز حواراتها على الشاشة، ومنها ألبوم مشترك مع فرانك سيناترا، وأخرجت ثلاثة أفلام وثائقية أحدها عن ليليان غيش، أول نجمة في السينما الصامتة، وقالت جان مورو: إن هدفي في الحياة لا يناقش.