قرب أحد مداخل ميدان التحرير وقفت أمس مجموعة من الأقباط تؤدي الصلاة على أرواح «شهداء الثورة». وفي «جمعة الرحيل»، أمّن الأقباط مداخل الميدان أثناء أداء المتظاهرين صلاة الجمعة. وعلى رغم تحذيرات أطلقها بطريرك الأقباط البابا شنودة الثالث، فإن مسيحيي مصر يشاركون في هذه الثورة المطالبة بإسقاط نظام الرئيس حسني مبارك، لكنهم في الوقت ذاته لم يخفوا تخوفهم من صعود «الإخوان المسلمين» إلى الحكم. ويعوّلون كثيراً على أن «وعي الشعب المصري لن يسمح بتحول مصر إلى دولة دينية». ويضع سامح جورج (27 عاماً) الذي يشارك في التظاهرات منذ اندلاعها في 25 كانون الثاني (يناير) الماضي، هدفاً ثابتاً نصب عينيه، وهو تنحية الرئيس مبارك. وهو غاضب من التأييد الصريح الذي أبداه البابا شنودة للرئيس مبارك ودعوته المحتجين إلى إنهاء الاحتجاجات. ويرى في ذلك «تثبيطاً لهمم الشباب القبطي وفصلاً لهم عن الحركة الوطنية المصرية». وكان شنودة دعا المعتصمين في ميدان التحرير إلى «فض الاعتصامات وسماع صوت العقل حول كل المستجدات في شأن الوضع الحالي والحوار باعتباره مدخلاً للوصول إلى الحلول المرجوة»، محذراً من «تفاقم الخسائر الناجمة عن مواصلة التظاهرات، واستمرار تردي الحالة الأمنية وترويع المواطنين، وتعطيل عجلة التنمية». وأجرى شنودة اتصالاً هاتفياً بمبارك أكد له فيه «التأييد الكامل»، معتبراً أن «بضعة آلاف من المعارضين لا يُمثلون قدراً في مقابل الملايين المؤيدة للرئيس». ودعا إلى أن يكون خروج مبارك من السلطة «بشرف وكرامة تتناسب مع تاريخ الرئيس الحافل بالإنجازات والإيجابيات الكثيرة في خدمة مصر». لكن جورج يرفض هذه الدعوات ويعتبرها «محاباة للسلطة» أو ربما «تعبر عن تخوف من صعود الإخوان إلى السلطة»، وهو سيناريو يثير قلقه، لكنه ليس متخوفاً منه «لأن الشعب المصري الذي أنجح الثورة بمختلف فئاته هو ذاته من سيمنع تحول مصر إلى دولة دينية». وأضاف أن «الحرية ستعني المشاركة. في ظل القمع والديكتاتورية، المواطنون لا يشاركون في الانتخابات، في حين أن الإخوان مسيسون وبالتالي يشاركون بقوة فيحققون صعوداً سياسياً، أما إذا أتت الحرية واستطاعت الثورة أن تفرض نظاماً ديموقراطياً حقيقياً، فسيشارك الجميع، إخواناً وأحزاباً وأقباطاً ومواطنين عاديين، ومن ثم لن يسيطر الإخوان». ويتفق الصحافي جورج صبري مع هذا الرأي. ويقول ل «الحياة» إن «قطاعات كبيرة من الشعب المصري ترفض الإخوان، وليس الأقباط فقط... الأقباط متخوفون من الإخوان بلا شك، لكن أراه تخوفاً عاماً لدى كل المصريين من غير المنتمين إلى الإخوان». وأوضح أنه شارك في «ثورة الشباب»، لكنه توقف عن الخروج في التظاهرات بعد «جمعة الغضب» لما لمسه من «محاولات البعض لاختطاف الثورة». وقال: «خرجنا في 25 كانون الثاني (يناير) لتحقيق خمسة أهداف، أحدها تنحية الرئيس، وبعد ذلك تحقق 4 منها تقريباً عدا رحيل الرئيس، وفجأة صور البعض التظاهرات على أنها خرجت لتحقيق هدف واحد وهو رحيل الرئيس، وإن لم يحدث ذلك، فإن الثورة تكون أجهضت، وهذا غير صحيح. الواقع أن الثورة حققت غالبية أهدافها وتنحية الرئيس ستتم». ولفت إلى أن «الإخوان لم يشاركوا بقوة في أول أيام التظاهرات. وبعد أن اقتنعوا بأن الثورة ستنجح، بدأوا في المشاركة مستغلين ذكاءهم السياسي لتحقيق بعض المكاسب وهو ما تحقق»، متسائلاً: «من كان يتصور أن الدولة تطلب حوارهم، وهم يترددون قبل الموافقة؟». غير أن الكاتب والناشط القبطي سامح فوزي له رأي آخر، فهو إن كان يؤكد أن هناك قلقاً قبطياً من خطاب «الإخوان» في شأن المواطنة، لا يرى أن «الإخوان» مسؤولون عن مشاكل الأقباط. وقال فوزي ل «الحياة» إن «الأقباط مشاركون في الحدث وحضورهم بارز ولافت في قلب ميدان التحرير على رغم صدور بعض الدعوات من أصوات كنسية، لكنهم لم يلتفتوا إليها مثلما لم يلتفت المسلمون إلى أصوات مماثلة». وأشار إلى أن «الحديث عن هواجس الأقباط من الإخوان ممتد، فخطاب الإخوان في ما يتعلق بالمواطنة في بعض ملامحه مقلق ويغذي هذه الهواجس... هذا الخطاب يجنح إلى النظرة السلفية لا الدولة الحديثة، لكن في كثير من الأحيان تتم المبالغة في هذا الموضوع، فالإخوان لم يتولوا حكم مصر، وبالتالي لا يتحملون تبعة المشكلات القبطية التي كانت طيلة العقود الماضية مع الحكم، وأيضاً المواقف السلبية تجاه الأقباط كانت تصدر من أطراف سلفية في حب مستمر مع السلطة». وخلص إلى أن «الحديث المستمر عن أن الإخوان مقلقون للأقباط صحيح، لكنّ هناك قدراً كبيراً من المبالغة، وهذا القلق لا يمنعنا من تأييد التغيير». وأثار الناشط القبطي السبعيني جورج اسحاق ظهر أمس حماسة المتظاهرين في ميدان التحرير، قائلاً: «نصلي كمسيحيين كل يوم اعطنا خبزنا كفاف يومنا، ونرفع معكم اليوم الصوت عالياً: عيش، حرية، كرامة إنسانية»، ما دفع الحشد الى ترديد الشعار وراءه. ثم اعتلى الطبيب ايهاب الخراط، ابن الكاتب ادوار الخراط، المنبر في الميدان ليهتف: «الجامع والكنيسة، الهلال والصليب، بيقولو ارحل يا رئيس»، ثم اطلق دعوات كان الجمهور يرد على كل واحدة منها ب «آمين»، مثل «نوحد صفوفنا» «اطردوا الخوف» و «باسم المسيح وباسم محمد». وذكرت وكالة «فرانس برس» أن عدد الاقباط المشاركين في القداس لم يتجاوز بضع مئات. وكانت ماريان فايق (24 سنة) القبطية الارثوذكسية الأكثر حماسة، فهي مناضلة من الدرجة الأولى لا تفوت يوماً من دون أن تزور الميدان. وتقول: «الحزب الوطني يمثل الترهيب والتخويف، انه حزب البلطجية الذين كانوا يسيطرون على الشارع وينشرون الخوف في قلوب الناس... نريد الحرية والديموقراطية». وعما إذا كانت متخوفة من تسلم التيارات الإسلامية السلطة، قالت: «لا لست خائفة، لا يوجد شيء أسوأ من نظام الإرهاب الذي يحكمنا اليوم».