كان قانون الطوارئ السمة الأبرز لسنوات حكم الرئيس حسني مبارك. وعلى رغم أن السلطات كانت تتذرع مع كل قرار لتمديده ب «مواجهة الإرهاب» والظروف الدولية، فإن القانون لم يقِ مصر من شر الهجمات الإرهابية التي استهدفتها صعوداً وهبوطاً خلال الثلاثين عاماً الأخيرة. ولطالما استخدم هذا القانون الاستثنائي في ملاحقة المعارضين، لا سيما «الإخوان المسلمين»، واستغل في ما اعتبره حقوقيون «تكميماً للأفواه». وفُرضت حال الطوارئ في مصر في نهاية عهد الرئيس الراحل أنور السادات، حين اعتقل آلاف من المعارضة ورموزها قبل اغتياله بأسابيع على يد متشددين في تشرين الأول (أكتوبر) 1981. وظلت البلاد تحت سيطرة الطوارئ طوال سنوات حكم مبارك الذي يشارف على نهايته تحت وطأة التظاهرات الاحتجاجية المطالبة بتنحيته، حتى بدت علاقة مبارك بالطوارئ «زواجاً كاثوليكياً» لا طلاق فيه. وشهد موقف مبارك من قانون الطوارئ تغييرات عدة على مدار سنوات حكمه، لكن يمكن اعتبارها مناورات كان يستخدمها بحسب الظروف من دون أن يقدم على إلغائه، فهو مال في البداية إلى اعتباره وضعاً استثنائياً سرعان ما ينتهي لتعود «الأوضاع الطبيعية»، كما أكد في حوار نشرته جريدة «الأهرام» في بداية حكمه. وقال وقتها إن «إعلان حالة الطوارئ كان ضرورة لتحقيق الاستقرار ومواجهة الشغب والإرهاب، وأتصور أن تحقيق الأمن والاستقرار سيحتاج إلى شهور عدة، وإذا حصل الاستقرار بسرعة، وانتظرنا فترة أخرى لنتأكد من عودة الأوضاع الطبيعية، فسنوقف العمل بهذا القانون». وعلى رغم استمرار العمل بالطوارئ بعدها، حرص مبارك دائماً على تأكيد استخدامه لمواجهة الإرهاب وتجارة المخدرات فقط، واستبعاد أي توظيف له ضد المعارضة، ومع تزايد الجدل في شأن هذا القانون الاستثنائي وتعدد المطالبات بإلغائه، بدأ بعضهم يطرح إمكانية وقف العمل به وإقرار قانون لمكافحة الإرهاب، وهو ما كانت ترفضه المعارضة على اعتبار أنه «سيجعل القانون الجديد مستديماً وليس حالاً استثنائية». وكان الرئيس مبارك أعلن في العام 2005 كجزء من برنامجه الانتخابي، أنه ملتزم إنهاء حالة الطوارئ، واستبدالها بقانون يعطي سلطات محددة لمكافحة الإرهاب. لكن هذا الوعد لم ينفذ بل مددت الطوارئ بعدها مرتين. ولم يمنع قانون الطوارئ تهديدات الإرهاب، فمنذ اغتيال السادات، قُتل مئات المصريين والأجانب على أيدي تنظيمات إرهابية في مصر، وقتل آخر هذه الاعتداءات 23 شخصاً في هجوم على كنيسة في الإسكندرية مطلع هذه السنة. في المقابل كانت السلطة في مصر تشدد من قبضتها على ناشطي المعارضة. واعتقلت آلافاً منهم في السنوات الخمس الأخيرة فقط التي شهدت بزوغ نجم ناشطي الإنترنت. وتخوّل المادة الرقم 148 من الدستور رئيس الجمهورية سلطة إعلان حال الطوارئ، بعد طلب مشورة مجلس الوزراء في الحالات التي يتعرض فيها الأمن أو النظام العام للجمهورية للخطر بسبب الحرب، أو التهديد بالحرب، أو عدم الاستقرار الداخلي، أو الكوارث أو الأمراض الوبائية، ومن حق مجلس الشعب أن يراجع هذا القرار ويعيد النظر فيه خلال 15 يوماً. وعند إعلان الطوارئ، يجب أن يحدد الرئيس بوضوح الأسباب التي دفعته لإعلانها، ونطاقها الجغرافي والتاريخ الذي يبدأ فيه سريانها. وتختلف الطوارئ عن إعلان الأحكام العرفية، فجميع القوانين العادية والمحاكم العادية تظل قائمة ومعمولاً بها في غير حالات الحوادث الإرهابية. ولتجديد حال الطوارئ، يجب أن تحصل الحكومة على موافقة غالبية أعضاء البرلمان. وفي ظل حال الطوارئ، يكون قانون الطوارئ هو المنظم للسلطات في الدولة. ويتضمن قانون الطوارئ ضمانات عدة، أبرزها أن السلطات الممنوحة لرئيس الجمهورية بمقتضاها تكون عرضة للمراجعة من جانب السلطة القضائية، فضلاً عن أن المعتقلين بمقتضى الطوارئ، يمنحون حقوقاً معينة بمقتضى هذا القانون في مقدمها إخبار المعتقلين على الفور كتابة بأسباب القبض عليهم واعتقالهم، على أن يكون لهم الحق في الاتصال بأي شخص يختارون، كما يحق لهم توكيل محام والطعن في أمر اعتقالهم. ويوكل القانون إلى محاكم أمن الدولة العليا مسؤولية النظر في قضايا قانون الطوارئ وتتكون المحكمة التي لا يمكن الطعن في قراراتها من قضاة مدنيين، وفي ظروف استثنائية، يمكن الرئيس أن يعين في هذه المحكمة قضاة عسكريين. وعلى رغم أن رفع الطوارئ كان مطلباً أساسياً لقوى المعارضة والحقوقيين في مصر وخارجها خلال السنوات الماضية، فإن هذا المطلب توارى خلال الأيام الماضية بعدما بات المطلب الرئيس هو رحيل مبارك ليرحل بعده قانون الطوارئ إلى غير عودة.