جاء قرار العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إقالة حكومة سمير الرفاعي وتكليف رئيس الوزراء السابق معروف البخيت، ليعيد خلط الاوراق والاصطفافات السياسية بعد الانقسام الحاد في قوى المعارضة، السياسية والشعبية، في شأن تقويم الخطوة ومدى قدرة الرئيس المكلف على إدارة حكومة جديدة منتجة للاصلاحات الحقيقية بعيداً عن إرث حكومته السابقة. ويرى بعض الاحزاب السياسية المعارضة (الشيوعي، وحشد، والبعث) وأحزاب الوسط واليمين ضرورة إعطاء البخيت فرصة من أجل «إثبات الذات». وفيما رحبت اللجنة العليا للمتقاعدين العسكريين (قوة اجتماعية صاعدة) بتكليف البخيت، واصفة إياه «برفيق السلاح»، رأت الحركة الاسلامية انه «الشخص غير المناسب» لمرحلة عنوانها الاصلاح. ويبدو ان لقاء الملك عبدالله الثاني مع قيادات «الاخوان المسلمين»، في اول حدث من نوعه خلال السنوات العشر الماضية، ترك انطباعاً جيداً لدى «الاخوان» الذين اعتبروه «صريحاً» تناول الاصلاح السياسي واجراء «تعديلات دستورية»، وإن اعتذروا عن عدم المشاركة في الحكومة او ترشيح آخرين لها. ويُعتقد بان جماعة «الاخوان المسلمين» ستوقف الاحتجاجات الشعبية في الشوارع الاسبوع المقبل لاعطاء فرصة للمرحلة الجديدة، لكنها تصر على مطلبها الرئيس بإخراج «قانون انتخاب جديد واجراء انتخابات نيابية مبكرة»، وهو مطلب ادى الى حال من التوتر في مجلس النواب الذي بدأ بشد خيوطه مع الرئيس المكلف، والذي يحاول ان يهدئ من روع النواب، من دون ان يغلق الباب امام مطلب «الشارع» بإخراج قانون انتخاب جديد، لكنه اكد للنواب ان قرار حل المجلس النيابي واجراء الانتخابات من «اختصاص الملك». البخيت بات اليوم يسير على حبل مشدود بين الحركة الاسلامية والمطالب الشعبية التي تريد تعديل قانون الانتخاب واجراء انتخابات مبكرة، وبين مجلس النواب الذي لم يمض على انتخابه سوى شهرين، لذا فإنه يواجه عاصفة من النواب الذين يتخوفون من اجراء انتخابات مبكرة تودي بمجلسهم، وهم يهزون بعصاهم في وجه البخيت الذي سيضطر خلال 30 يوماً من التقدم لمجلس النواب طلباً للثقة. وانعكس خلاف القوى الحزبية والشعبية على تكليف البخيت وشعارات المرحلة، على المسيرات الشعبية التي تنطلق كل يوم جمعة منذ شهر، اذ تراجعت امس حدتها واعداد المشاركين فيها واختلفت أماكنها، ففيما نقل الإسلاميون اعتصامهم، واحتشدوا أمام رئاسة الوزراء، بقيت القوى الشعبية وسط العاصمة عمان، وأطلقت شعارات اختفى منها مطلب «رحيل الحكومة»، لكنها اصرت على حل مجلس النواب واجراء اصلاحات سياسية واقتصادية. ويواجه رئيس الوزراء المكلف مهمة صعبة في تقريب وجهات النظر بين القوى الحزبية والنيابية والسياسية المتعارضة، كما يواجه امتحاناً لقدرته على اقناع الآخرين بتجاوزه أخطاء الماضي في السياسات والاشخاص، وهذا ما ينتظره الاردنيون عند اعلان تشكيلة الحكومه منتصف الاسبوع، فللبخيت إرث قاس في فترة حكومته السابقة (2005 - 2007) عندما اشرفت حكومته على اجراء انتخابات بلدية ونيابية وصفت ب «الاسوأ» خلال السنوات العشرين الماضية، اضافة الى علاقته المتوترة مع الحركة الاسلامية. كل هذه المخاوف لا يمكن التوفيق بينها الا بمعرفة تشكيلة الحكومة الجديدة وبرنامج عملها الذي لا بد ان يلبي طموحات جميع القوى ويربط بينها بخيط رفيع من الثقة ويمتص حال الاحتقان الشعبي.