{ وصف التشكيلي والناقد السعودي أحمد فلمبان الفنانين السعوديين بالمتقاعسين وغير المتعاونين، وبالمبالغة والفبركة في معلوماتهم المرسلة له خلال توثيقه للحركة التشكيلية السعودية، التي أصدر حولها أكثر من كتاب. وقال فلمبان في حوار ل«الحياة» إنه يجد معاناة في إيجاد داعم لكتبه، مشيراً إلى غياب الاهتمام بالبحث وتشجيع نشر الكتب. ويدشن فلمبان خلال أيام كتاب جديد له بعنوان «فن في نصف قرن: أضواء على توهجات الفن التشكيلي السعودي»، من إصدار جامعة الأعمال والتكنولوجيا بجدة، في مناسبة بلوغ التشكيلي السعودي ال60 من عمره. ويشمل الكتاب إضاءة على التجربة الجمالية السعودية والمغامرة الإبداعية، ويعد الكتاب الذي تصل صفحاته إلى 700 صفحة أكبر كتاب شامل عن التشكيل السعودي صدر حتى الآن، الأمر الذي يعد إضافة مهمة للمكتبة الفنية في السعودية، والكتاب يصدر برعاية وإشراف الدكتور عبدالله صادق دحلان.. إلى نص الحوار: كم الفترة الزمنية التي استغرقها تأليف الكتاب؟ وما أبرز التحديات التي واجهتك؟ - استغرق إعداد هذا الكتاب أكثر من 8 سنوات، وقد واجهت صعوبات عدة، منها: تقاعس ونسيان الفنانين وعدم تعاونهم في إرسال البيانات والصور، المبالغة والفبركة في المعلومات والخلط بين المعلومات الفنية وبيانات الخدمة الوظيفية، وعدم اهتمام الفنانين بأرشفة وترتيب وتنظيم معلوماتهم وصور لوحاتهم بالطريقة العلمية الصحيحة التي تحفظ معلوماتهم والرجوع إليها عند الحاجة، وهذا تطلب مني البحث والتقصي والمقارنة في المعلومات الواردة وفحص الأعمال الفنية، والأمر الآخر معاناتي في البحث عن داعم سواء من الجهات الرسمية، أو الخاصة لغياب الاهتمام بالبحث والنشر وتشجيع نشر الكتب الفنية التي نحن في حاجة إليها، كذلك غلاء أسعار الطباعة، وأيضاً عدم وجود مصممين جيدين في الإخراج الفني. على رغم هذه المعوقات أنت متحمس لتوثيق الفن السعودي، فهذا ليس المشروع الأول لك؟ - اهتماماتي في البحث في التشكيل السعودي ومتابعة الفنانين منذ أكثر من 40 عاماً، ومن هذه الهواية تمكنت من عمل ملف عن 3754 فناناً، ومنه قمت بإعداد كتاب عن الفن التشكيلي السعودي بعنوان «التشكيليون السعوديون»، الذي أصدرته الجمعية العربية للثقافة والفنون عام 1427ه بمبادرة من محمد الشدي، بعد معاناة وجهد أكثر من سبع سنوات طارقاً كل الأبواب والسبل لطباعته، كأول دليل يجمع اكثر من 437 فناناً من جميع أنحاء المملكة يخدم الفنانين ونافذة يطل منها العالم بهذا الفن المجهول. وحظي الكتاب باهتمام الكثير من الجهات الفنية والعديد من الشخصيات الأكاديمية من خارج المملكة، ومن مكتبة الكونغرس الأميركي، وواصل عشقي في البحث والعمل من أجل إصدار كتاب آخر باللغتين العربية والإنكليزية، في مناسبة بلوغ الفن التشكيلي السعودي ال60 من عمره بعنوان «فن في نصف قرن: أضواء على توهجات الفن التشكيلي السعودي» ويحوي على 500 فنان، الذي سيكون أول موسوعة للفن التشكيلي السعودي باللغة العربية والإنكليزية بهذا العدد الموسع، وتقدمت بطلب طبعه إلى وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة بتاريخ 21-12-1433ه، من طريق مكتبه في جدة وبعد شهر وبعد خروجه من الوزارة، جاءني الرد باعتذار الوزارة طباعة مثل هذه الكتب، وجاء الفرج بعد خمس سنوات بمبادرة من الدكتور عبدالله دحلان رئيس مجلس أمناء جامعة الأعمال والتكنولوجيا بطباعته على نفقتها، بطباعته باللغة العربية فقط، يحوي على 398فنان من جميع أنحاء المملكة، وهو إضاءة بالتجربة الجمالية السعودية والمغامرة الإبداعية وإبراز توهجات الفن التشكيلي السعودي وأهم التحولات في مسيرته. ولدي مشروع آخر مهم وهو «قاعدة المعلومات للفنانين التشكيلين السعوديين» يحوي على 3759 فناناً تقريباً، وهو برنامج مهم جدا للفن التشكيلي السعودي الذي يعد الأول من نوعه على المستوى العربي، يتابع مسيرة الفنانين ويخدمهم ويحفظ بياناتهم من العبث والضياع والفبركة والأكاذيب، ويفيد الباحثين والمتلقين والمهتمين بالإبداعات السعودية، توطئة لمشروع توثيق الأعمال الفنية بالطريقة المتبعة في إيطاليا، الذي بموجبه يمكن إصدار شهادة موثوقية وأصل للأعمال الفنية معترفة دولياً. والمشروع متكامل ويحتاج فقط تصميمه إلكترونياً بحسب المواصفات المعروفة ونشره على النت، وتقدمت به لرئيس مجلس ادارة جمعية التشكيليين محمد المنيف قبل ست سنوات ووعدني بتبني المشروع، ولكن ذهب المشروع في طي النسيان. أين دور المؤسسات الثقافية ؟ ولماذا لا تدعم أصحاب المبادرات؟ - من هذا التوضيح السابق يتبين أن الجهات الرسمية المشرفة على الفن التشكيلي مقيدة بالعديد من الأمور البيروقراطية والروتين والبنود المالية، وخصوصاً أن كلفة الطباعة لدينا عالية جداً مقارنة بالدول الأخرى، والجهات الخاصة ورجال الأعمال لا يميلون إلى طباعة الكتب وتشجيع الأبحاث والمؤلفات التشكيلية، لعلمهم أنها لا تسمن ولا تغني من جوع، والمجتمع ينظر للفن نظرة دونية وليس مرغوباً ولا جاذباً، والفنانون أيضاً لا يميلون إلى القراءة، ولا يستفيدون منها معنوياً ولا مادياً، مثل مطبوعات الكرة والموضة والمطبخ، وهذا أحد عوائق تقدم الفن وتطوره والتعريف به وعامل إحباط للباحثين والمؤلفين. ما ملاحظاتك على المشهد التشكيلي بعد كل هذه التجربة؟ - لقد كتبت في هذا الموضوع مقالات عدة وضحت وجهة نظري في التشكيل السعودي، فهو لا يزال قابعاً في مكانه، ولا يزال يقف في حدود الظاهرة ويترنح في المستوى، والمشهد العام بائس لا يرنو أبداً إلى عملية التجديد والتطوير ومواكبة دور الجوار وركض العالم، وقليل جداً من التجارب الجادة التي تسترعي الانتباه، والظاهرة فقط في كثرة المعارض وزحمة الفنانين، وهذا الوضع لا يُساعد بأية حال من الأحوال على الارتقاء بالفن التشكيلي إلى مستوى «الحراك» بمفهومه العلمي، بوجود الأكاديميات المتخصصة والمعاهد الفنية والمتاحف وصالات العرض الاحترافية والمراكز والورش الفنية والنقاد المتخصصين والكتب والإعلام التشكيلي، لوجود العديد من العقبات التي تعترض مسيرته وتحد من تقدمه أهمها، الدعم المالي والاعتراف به والارتقاء بالفنان ورعايته وأنه مبدع لنتاج فكري إنساني. كيف ترى جمعية الثقافة والفنون بعد تغيير مجلس إدارتها؟ - لا ننكر دور جمعية الثقافة والفنون الريادي في سبيل تنشيط وتطوير الفن بكل مجالاته، ولكن المشكلة الأساسية أن تلك الأنشطة يتم تسييسها وتفعيلها والاهتمام بها بحسب رؤية ومزاج المشرفين وتوجهاتهم، (فإذا كان مسرحياً) يأخذ النشاط المسرحي والسينمائي وما في شاكلتها حيزاً واسعاً ونصيب الأسد من العناية والاهتمام، والأنشطة الأخرى الضحية ونصيبها التهميش والإجحاف، التي لا تجد من المهتمين فيها إلا نادراً مثل الموسيقى والتشكيل والتصوير، حتى بوجود اللجان المسؤولة، تبقى أنشطتها تحصيل حاصل بحسب مزاج المسؤول الكبير. ولكن في رأيي أن الفنان الواثق الأصيل من نفسه، لا ينتظر من الجمعية أو غيرها تحقيق طموحاته (ففاقد الشيء...) فالجمعية فقط هي مرجعية رسمية وأداة لضبط الأمور وتنظيمها، وتحقيق توجه وزارة الثقافة والإعلام إلى إيجاد جمعيات تشمل الوطن بكامله وتمثل مختلف الفنون والآداب وتكون جزءاً من مؤسسات المجتمع المدني الذي تسعى الدولة إلى تأسيسها، للتعبير عن هموم المواطنين وترعى شؤونهم ضمن أنظمة الدولة المرعية.