خالفت «جمعة الرحيل» التوقعات، فكانت أجواؤها هادئة إلى حد كبير باستثناء بعض الاشتباكات المتفرقة بين المطالبين برحيل الرئيس حسني مبارك فوراً وبين بعض مؤيدي بقائه في الحكم عند مداخل ميدان التحرير. فمنذ ساعات الصباح الأولى تجمّع مئات الآلاف في الميدان الذي بات رمزاً لثورة الشباب المصري. لكن الرحلة إلى الميدان كانت محفوفة بالمخاطر، بعكس جو الأمان السائد في داخله. ففي الطريق إلى ميدان التحرير وقفت مجموعات من المواطنين - الذين قال متظاهرون إنهم «بلطجية الحزب الوطني وبقايا قوات الشرطة» - تتولى إيقاف المارة والتدقيق في هوياتهم والاستفسار عن أسباب التوجه إلى وسط البلد. الحظ السيئ كان يواجه من يحملون كميات كبيرة من الطعام أو الأدوية، فهم قطعاً متوجهون إلى ميدان التحرير لدعم المتظاهرين، وفق ما يقول مناصرو النظام. ويكون مصير هؤلاء في الغالب إما «الرحيل» أو الضرب، ولكن لا يُسمح لهم بالتقدم نحو الميدان حتى ولو وافقوا على ترك حاجاتهم. في ساحة الميدان، يتناول محتجون روايات مختلفة عن «المخاطر» التي واجهوها للوصول إلى «رفاق الثورة». تقف سيدة يجتمع حولها عشرات الشباب تحكي لهم كيف استوقفها رجال من الشرطة بصحبة مجموعة من المواطنين ورفضوا مرورها من عند مدخل شارع قصر العيني الموصل الى الميدان لأنه كان بحوزتها أدوية. ظلّت تجادلهم وترفض «حصار» الشباب، وانتهى الأمر بمصادرة الأدوية ومنعها من الوصول إلى الميدان لكنها أصرت على «مناصرة أبنائها» وتوجهت إلى كورنيش النيل إلى أن وصلت الى الميدان بعد رحلة استغرقت نحو ساعة ونصف ساعة اضطرت خلالها إلى إخفاء حقيقة توجهها للمشاركة في التظاهرة. والأمر بالنسبة إلى الصحافيين كان أشد خطورة. فالمؤسسات التي ينتمون إليها - لا الأفكار والآراء - باتت «مقياساً للفرز». والأفضل في هذه الظروف إخفاء الهوية الصحافية تجنباً للاحتكاك مع «اللجان الشعبية» في الشوارع والطرق المؤدية إلى الميدان. هناك بالطبع من يتفهم طبيعة العمل الصحافي، وهناك من يرى أن الإعلام عموماً «يحرّض على الفوضى في مصر». وكان واضحاً أن قوات الجيش سعت جاهدة أمس إلى منع التعرض لقاصدي الميدان وأوقفت بعض من يشتبه في إثارتهم أعمال الشغب. وقد شاهدت «الحياة» أكثر من عشرة أشخاص، بينهم سيدة أجنبية واحدة على الأقل، أوقفتهم دورية للجيش في شارع قصر العيني معصوبي الأعين. وقال شباب بالقرب من الدورية إن المتظاهرين سلّموهم إلى قوات الجيش لأنهم سعوا إلى إثارة الشغب. وما ان يقترب المتظاهرون من الميدان حتى يفاجأوا بالآلاف يحتشدون عند مداخله في انتظار الدخول الى «ساحة التحري» حيث يقف في استقبالهم شبان يُهدّئون من روعهم في مكبرات الصوت ويؤكدون أن «بلطجية النظام» لم يعد لهم وجود. يستمر الوقوف عند مدخل الميدان طويلاً بسبب التدقيق في الهويات وتعدد نقاط التفتيش عند المداخل حيث يعتذر القائمون عليها عن التضييق قبل أن يقولوا: «حمداً لله على السلامة: تفضّل».