عملت إسرائيل ساعات إضافية أمس، سراً وعلناً، في مسعى الى احتواء أزمة ديبلوماسية وصفت بأنها «الأخطر» في تاريخ علاقاتها مع الأردن في أعقاب قيام رجل أمن في سفارتها في عمّان بقتل مواطنيْن أردنيين بالرصاص مساء أول من أمس، وأوفدت إلى عمان «شخصية أمنية رفيعة جداً» لبحث سبل الخروج من الأزمة. وأرجأت الحكومة الأمنية المصغرة اجتماعها من ساعات الظهر إلى المساء لمتابعة تطورات زيارة الشخصية الأمنية، فيما أعلن رئيسها بنيامين نتانياهو أنه وعد رجل الأمن بإعادته إلى إسرائيل سليماً معافى. وتوقعت أوساط مختلفة التوصل إلى «صفقة» يُسمح بموجبها للحارس بمغادرة عمان في مقابل تقديم إسرائيل «مقابلاً جدياً» يتعلق بحل أزمة المسجد الأقصى. وأضافت أن إسرائيل معنية بحل الأزمة في أسرع وقت. وكانت الحكومة الأمنية المصغرة تلقت خلال اجتماعها مساء أول من أمس، الذي خُصص للبت في مصير البوابات الالكترونية في المسجد الأقصى، نبأ ما حصل في الأردن، وبقيت مجتمعة حتى ساعات الفجر من دون ان تصدر أي قرار، على أن تواصل اجتماعها مساء أمس. ومع وصول النبأ، فرضت الرقابة العسكرية حظراً تاماً على نشر الخبر في وسائل الإعلام العبرية (حتى صباح أمس). وعزت أوساط إعلامية ذلك إلى محاولات جرت خلال الليل لاحتواء الأزمة ومغادرة رجل الأمن القاتل إلى إسرائيل، لكنها ووجهت برفض أردني وإصرار على تسليمه إلى السلطات الأردنية للتحقيق معه. ولم تتأكد بعد صحة تلميحات في بعض وسائل الإعلام العبرية إلى أن السلطات الإسرائيلية حاولت خلال ليل الأحد– الإثنين تهريب القاتل، لكن السلطات الأردنية منعت ذلك مع وصول وزير الداخلية الأردني إلى مبنى السفارة. من جهتها، أمرت وزارة الخارجية كل العاملين في السفارة في عمان بإخلائها فوراً والمغادرة إلى تل أبيب خشية تعرضهم إلى حصار شعبي أو محاولة الهجوم على السفارة كما حصل في القاهرة قبل ستة أعوام حين حوصرت السفارة الإسرائيلية. لكن السلطات الأردنية أعلنت رفضها مغادرة القاتل، فقررت السفيرة عينات شلاين البقاء مع جميع موظفي السفارة في عمان. وقال نتانياهو أمس إنه تحدث مرتين مع شلاين، و «انطباعي هو أنها تدير الأمور على نحو جيد»، واضاف: «وعدتُ رجل الأمن بأننا مهتمون بإعادته إلى البلاد، ولدينا الخبرة في ذلك». وأردف: «كما أبلغت السفيرة ورجل الأمن بأننا نقوم باتصالات مع جهات أمنية وسياسية في الأردن على المستويات المختلفة، وفي مسارات أخرى متنوعة بهدف واحد: إنهاء الحادث بأسرع ما يمكن، وإحضار أفراد السفارة إلى البلاد، ونقوم بذلك بعزيمة ومسؤولية». وتابع أن السفير الأردني في تل أبيب حضر إلى وزارة الخارجية في القدسالمحتلة صباح أمس لبحث الموضوع. وأصرت إسرائيل على عدم السماح للسلطات الأردنية بالتحقيق مع الحارس كونه يتمتع بحصانة ديبلوماسية. وقالت وزيرة القضاء أييلت شاكيد إنه «طبقاً لمعاهدة فيينا المتعلقة بمكانة الديبلوماسيين في دول أجنبية، فإن الحارس يتمتع بحصانة من الاعتقال أو التحقيق» و «لا توجد للأردن صلاحية للمطالبة بتسليمه». وعزت أوساط أمنية الحادث إلى ما يحصل حول الأقصى على رغم نفي والد الشاب الأردني القتيل أن تكون لابنه أجندة سياسية. وانتقد رئيس الحكومة السابق إيهود باراك «تصرف الحكومة المتهور» في قضية المسجد الأقصى، وقال لإذاعة الجيش: «كان يجب حل الموضوع ببرودة أعصاب والتحلي بالحذر». وأضاف أنه يجب حل الأزمة، وهي ليست سهلة مع الأردن، ومنع تحويل الأزمة إلى «مواجهة دينية، فالواقع حساس، ومن مصلحة إسرائيل حل الأزمة... البوابات الالكترونية ليست بقرة مقدسة... علينا رؤية الأمور بشكل أشمل وأبعد». وتابع أن من مصلحة إسرائيل الحفاظ على علاقاتها مع الأردن «لأن من شأن أزمة أن تقوّض جبهة محاربة ايران التي يعتبر الأردن حجر زاوية فيها». من جانبه، دعا الرئيس السابق ل «موساد» داني ياتوم الى التوصل الى صفقة بين الاردن واسرائيل يتم بموجبها السماح بعودة الديبلوماسيين وحارس الامن الى بيوتهم مقابل مساعدة الوقف الاردني على القيام بدوره في الحرم القدسي، وازالة البوابات الالكترونية عند مدخل الاقصى. كما دعا الرئيس السابق ل «موساد» افرايم هليفي سدنة الحكومة الإسرائيلية إلى تفضيل مصلحة إسرائيل على «المصالح الحزبية الضيقة». وقال هليفي، الذي كان قبل 20 عاماً وسيطاً في حل الأزمة بين إسرائيل والأردن حين تمت محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في حينه خالد مشعل في عمان، إنه يجب الأخذ في الاعتبار مصلحة الأردن أيضاً في حل الأزمة. وانتقد وزراء على ربطهم بين البوابات الالكترونية و «تأكيد السيادة الإسرائيلية» على الأقصى «لأن من يقول ذلك إنما يقوض أي إمكان لحل المشكلة الآن وفي المستقبل». وتابع: «إذا كانت الحكومة ترى أن إزالة البوابات ستتم عاجلاً أم آجلاً، فإنني أنصحها بفعل ذلك فوراً... وعدم الالتفات إلى ما سيقوله الرأي العام... وكل إرجاء في هذا الموضوع يخدم المتطرفين من الطرفين وقد يأتي بنتائج أكثر ايلاماً ويبعد فرصة التوصل إلى تهدئة». وأمرت وزارة الخارجية الإسرائيلية سفارتها في أنقرة وقنصليتها في اسطنبول بعدم فتح ابوابهما أمس «من باب الحذر على خلفية التوتر في المنطقة ومهاجمة كنيس في تركيا الأسبوع الماضي».