"الرياضة وأحداثها مناسبات للتنمية المستدامة" كانت محور ندوات وحلقات عرض في ميلانو، التي إحتفلت مطلع أيار (مايو) بعيد الرياضة، صادف وإحتضانها المؤتمر ال72 للاتحاد الدولي للصحافة الرياضية. وحضرت "الحياة" جانباً كبيراً من هذه الحلقات، فضلاً عن مشاركتها في نقاشات صبّت في هذا الإطار، لا سيما أن أعمال مؤتمر الاتحاد الدولي للصحافة الرياضية شهد عرض ملفات المدن الأربع التي تتنافس لاستضافة الدورة الأولمبية الصيفية عام 2016. وسبق ل"الحياة" أن سلّطت الضوء على نقاط مهمة في هذه الملفات، لا سيما ملف العاصمة اليابانية طوكيو. وتستعرض في السطور التالية جوانب من ترشيحات ريو دي جانيرو وشيكاغو ومدريد، علماً أن اللجنة الأولمبية الدولية ستقول كلمتها يوم 2 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل في كوبنهاغن، باختيار المدينة المنظمة. حان دور الفقراء يطرح الرئيس البرازيلي لويز ايناسيو لولا ملف "ريو دي جانيرو 2016" في زياراته الخارجية، وآخرها الى الرياضوبكين وأنقرة، مردداً أن بلاده جاهزة وأميركا الجنوبية جاهزة "ويجب منح قارتنا هذا الشرف". وخرجت لجنة التقويم برئاسة وزيرة الشباب والرياضة المغربية العداءة الأولمبية نوال المتوكل، التي زارت المدن الأربع أخيراً، بانطباع جيد عن معاينتها مرافق ريو دي جانيرو. ويقول الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم جواو هافيلانج (1994 – 1998)، عميد أعضاء اللجنة الأولمبية الدولية الذي إحتفل أخيراً بعيده ال93، أن استضافة مدينته ريو الألعاب الأولمبية هو الحلم الوحيد الباقي الذي يتمنى تحقيقه، لتحتفل أميركا الجنوبية كلها بهذا الحدث العالمي للمرة الأولى في ربوعها. تطرح لجنة الترشّح "ملف ريو" لخوض السباق نحو التنظيم من منطلق انصهاره مع برامج التطوير البعيدة المدى للمدينة وجوارها. ومن ضمن رؤية الرئيس لولا التنموية وخططها، تأتي إستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2014، لذا يردد لولا دائماً: "نحن بلد عدد سكانه 190 مليون نسمة، ولا يجوز إهماله أو نسيانه. أنه الجزء الوحيد في العالم الى جانب أفريقيا الذي لم يستضف الألعاب بعد. لقد حان وقت وقف منح التنظيم الى الأغنياء فقط. النمو الاقتصادي ملحوظ عندنا، وإنعكاسات الأزمة المالية العالمية أقل مما تعرّضت له بلدان غنية". وأوضح عضو لجنة الترشّح كارلوس أوسوريو أن منشآت كثيرة لمونديال 2014 ستستخدم لألعاب "ريو 2016" ما يسهّل المهمة الأولمبية وتحديداً الأمور اللوجستية والأمن والنقل، مستشهداً بتجارب عاشتها بلدان ومدن أخرى نظمت الألعاب بعد استضافتها مباشرة مونديال كرة القدم من دون عراقيل أو مشاكل (المكسيك 1968 و1970، ألمانيا 1972 و1974، والولايات المتحدة 1994 و1996). ويوضح أوسوريو أن مدينة ريو تملك شبكة مرافق مؤهلة لاحتضان الدورة الأولمبية، منذ تنظيمها الدورة الرياضية الأميركية عام 2007. ويكشف رئيس اللجنة الأولمبية البرازيلية كارلوس نوزمان أن ملف الترشّح الثالث في تاريخ العاصمة السابقة لبلاده (بعد عامي 2004 و2012) هو الأفضل، مؤكداً أن الموازنة المقدّرة بنحو 10.5 بليون يورو "مؤمّنة". ويطمح "المنظمون" الى تشييد جسر من "لندن 2012" الى "ريو 2016" يلهم شباب العالم، مقدمين للحركة الأولمبية بلداً جديداً وقارة جديدة. ففي البرازيل 65 مليون شاب دون ال18 سنة، وفي أميركا الجنوبية 180 مليون نسمة من الفئة العمرية ذاتها. وتنطلق ريو في طرح ملفها من إرث فني قوامه دورة الألعاب الأميركية التي شهدت تنافس 6500 رياضية ورياضي في 34 لعبة، والحصيلة خبرة ادارية وفنية ومرافق بمواصفات دولية، وتعامل جيد وناجح مع مناسبات متعددة الرياضات. وبلغة الأرقام يقدّر المنظمون هذا الإرث بمبلغ بليوني دولار، فضلاً عن أجواء حارة وسط شعب مضياف "يعشق اللهو والمرح ويتفاعل ويندمج. كما أن الاحتفالات الصاخبة الضخمة مألوفة في ريو من خلال الكرنفال السنوي وإحتفالات عيد رأس السنة الميلادية على شواطىء كوباكابانا، والتي تستقطب ملايين السياح. كما أنها فرصة للإندماج الاجتماعي والنهوض الاقتصادي والبيئي. أزرق وأخضر يوم حمل ستيورات أوين رانكين، حفيد العداء الأسطورة جيسي أوينز، ملف ترشّح شيكاغو والمتضمن "إجابات شافية" على 227 سؤالاً الى اللجنة الأولمبية الدولية (12 شباط الماضي)، أعلن رئيس لجنة الترشّح باتريك راين أن هدف الألعاب دمج الرياضة والمجتمع في هذه المدينة الأميركية. وكُشف النقاب عن خطط توأمة مدتها سبع سنوات مع الاتحادات الدولية المعنية، من خلال مجلس عالمي للرياضة يفتح ذراعيه لبطولات ومسابقات ودورات صقلالى برامج إعداد وتطوير داخلية. ومن وحي الحلقات الأولمبية الخمس ستفتتح خمسة معسكرات لاستقبال رياضيين من مختلف أنحاء العالم. ولا تخرج ألعاب شيكاغو عن النمط السائد ومحاوره الاقتصادية والبيئية. والموازنة المقدّرة للاستضافة والتنظيم تبلغ 4.8 بليون دولار، بعدما خفّض منها مبلغ 80 مليون دولار في ضوء تعديلات في مشروع تشييد القرية الأولمبية. ويعد المشرفون على الملف بتنظيم "ألعاب زرقاء وخضراء" أفقها الماء والبيئة المستدامة، وسيستخدم وقود قليل الإنبعاثات أو أجهزة كهربائية تستمد طاقتها كاملة من مصادر قابلة لإعادة التدوير. ولحظت المرافق والملاعب في دائرة سير لمدة 15 دقيقة على ضفاف بحيرة ميشيغان، كما أن 22 من 27 منها (تحتضن 85 في المئة من المسابقات) تقع في قلب المدينة ضمن شعاع 8 كيلومترات. ووعد المنظمون بأسعار تذكر مخفضة للجمهور، معدل ثمنها 71 دولاراً. طابع هادىء وفي مدريد، يصرّ المسؤولون الإسبان على إثبات قدرتهم المادية وتوفر البنى التحتية اللازمة لاستضافة الحدث الأولمبي. وتلفت المسؤولة عن ملف الترشّح الإسباني مرسيدس كوغن الى أن "التمويل مضمون, وفيما يتعلق بالأمن, فإن إسبانيا معتادة على تنظيم أحداث رياضية دولية", مضيفة ان "أكثر من 70 في المئة من البنى التحتية جاهزة". وتضيف بطلة الهوكي الأولمبية سابقاً: "ملف ترشّح مدريد متكامل للغاية. إنها المدينة المثالية لاستضافة الألعاب في بيئة ودية" (تبعد قرية الرياضيين500م عن الملعب الرئيس). والترشّح هو الثاني على التوالي للعاصمة الإسبانية بعد أن تقدّمت بطلب إستضافة ألعاب 2012 التي ستحتضنها لندن, علماً أن إسبانيا استضافت الألعاب الأولمبية عام 1992 في برشلونة. وتشير كوغن إلى أن تعديلات أدخلت على ملف ألعاب 2012 "لقد طرأت تغييرات تقنية وجمعنا مرافق المسابقات في منطقتين عوضاً عن ثلاث, ما سيكون أفضل للرياضيين والمشاهدين"، مضيفة "لقد زدنا من قدرة الفنادق على الاستيعاب وحللنا مشاكل محتملة حول الضجيج". وتشكّل استضافة مدينة أوروبية للألعاب الأولمبية عام 2012 مشكلة بالنسبة لترشّح مدريد لأن اللجنة الأولمبية الدولية تفضل أن تُنظّم الألعاب في قارات مختلفة. لكن كوغن لا ترى عائقاً في ذلك "نحن نفضّل أن نتكلّم عن تناوب ثقافي. بعد آسيا في بكين وجو أنغلو-ساكسوني في لندن سيكون ترشحنا ذا الطابع المتوسطي الدافىء الذي يغلّف العالم الإسباني واللاتيني". لجنة التقويم الدولية أعربت عن رضاها في ضوء مشاهداتها، وأكدت المتوكل أن معيار التناوب بين القارات ليس شرطاً، "لأن المدينة الأفضل في مراعاتها المواصفات والمعايير ستحظى بشرف التنظيم". وقبل يومين من موعد "الزيارة الأولمبية"، أعلنت حكومة مدينة مدريد موافقتها على ضمان تأمين كامل للمبلغ المقدّر ب870 مليون يورو لإنشاء القرية الأولمبية في حال منحت العاصمة الإسبانية شرف الاستضافة. وقال عمدة مدريد ألبرتو لويس غايادرون "ترشّح مدريد ليس وهمياً, ولكنه موثوق وتم تمويله أصلاً". وعلى رغم الأزمة المالية العالمية, أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية أن التفاصيل المالية لملفات الترشّح ستكون حاسمة حيث سبق أن قال رئيس اللجنة البلجيكي جاك روغ "ستولي اللجنة اهتماماً كبيراً للضمانات المالية المقدمة". ولإعطاء ملف مدريد دعماً إضافياً, تولّى رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو حقيبة الرياضة في حكومته في نيسان (أبريل) الماضي. وقال حينها "أرى أن هذه هي الطريقة الأمثل والأفعل لدعم الرياضة الإسبانية, حيث كانت لنا نجاحات, والأهم من ذلك لأجل ترشّح مدريد للألعاب الأولمبية". عضو اللجنة الأولمبية الدولية خوان أنطونيو سامارانش جونيور أوضح أنه على المدينة المنظمة للألعاب واجب التحضير والاستقبال والتأثير في زائريها وتقديم خدمات للجميع بحيث يشعرون بفارق مميز قياساً الى لحظة وصولهم اليها. تأمل مدريد في أن تكون مدينة "ألعاب 2016" باعتبار أن 92.6 في المئة من سكانها يدعمون هذه الاستضافة، وهي تفرد ذراعيها من أجل ألعاب ذات لمسة إنسانية، وهذا ما قصدته من شعارها، كف يد بأصابع ملّونة. وباستقبالها 7 ملايين سائح العام الماضي، تعتبر مدريدالمدينة الثالثة أوروبياً من حيث عدد الزوار. وتعتز بموقعها الجغرافي كونها العاصمة الوحيدة في العالم على بُعد ساعتين من 9 مدن كبرى، وببنيتها التحتية العصرية اذ يمكن ارتياد مرافق المسابقات بواسطة المترو أو القطار المحلي "سيركانياس". وهي تضمّ ثاني أكبر شبكة خطوط للمترو في أوروبا، يصل بين وسط العاصمة والمطار في غضون 20 دقيقة وطاقة استيعابها 70 مليون مسافر، فضلاً عن شبكة باصات صديقة للبيئة، وحملة تشجيع على استخدام الدراجة الهوائية في التنقلات. ونظراً لجهوز جانب كبير من المرافق، تبدو الحاجة فقط الى إنفاق 463 مليون دولار فقط ليُنجز مشروع الإستضافة، علماً أن 65 مؤسسة تضمن رعاية المناسبة موفرة نسبة 80 في المئة من الموازنة. ويسوّق القائمون على المشروع والمسؤولون الحكوميون لما ستكون عليه مدريد عام 2017، أي مرحلة بعد الألعاب: الإرث الثمين والمختصر بالأصابع الخمسة الملونة التي يحملها شعار الترشّح عاكسة الجوانب الرياضية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية، التي تنشدها العاصمة الإسبانية وفق منهاج يحضّ الشباب على تحويل الرياضة ومعانيها سلوكاً يومياً في مختلف جوانب