واشنطن - «نشرة واشنطن» - يعلم الكثير من الشركات أنه لا بدّ من المحافظة على السمعة الحسنة، لمواصلة الأعمال أو تحسينها، غير أن الخبراء يرون أن الشركات نادراًًً ما واجهت تشكيكاً خطيراً في سمعتها على نحو ما تواجهه حالياً المؤسسات المالية وغيرها من الشركات ذات العلاقة بعد الأزمة المالية العالمية. وسيكون إصلاح سمعة شارع المال والأعمال، أي «وول ستريت»، في نيويورك أصعب مما كان عليه الحال قبل 10 أو 15 سنة، إذ إن التقارير حول التعويضات المفرطة للمديرين التنفيذيين والجشع، وركوب الأخطار غير المسؤولة، وانعدام الشفافية أدت إلى أكبر تحدّ لمصداقية الشركات المالية منذ سنوات. وعندما أدلى رؤساء شركات أميركية مالية كبرى بشهاداتهم أمام إحدى لجان الكونغرس في شباط (فبراير) عام 2009، فإن المشرعين الغاضبين لم يهاجموهم بقسوة. وظل المديرون التنفيذيون للمصارف الكبرى ودور الاستثمارات، الذين ساهمت ممارساتهم في أسوأ ركود اقتصادي منذ عقود، يتمتعون بمكافآت مالية ضخمة وفوائد سخية، في حين كانت شركاتهم تتلقى المساعدات من الحكومة. وقال في حينه النائب عن ولاية مساتشوسيتس، مايكل كابوانو، وهو عضو ديموقراطي في اللجنة، رداً على أعذار المديرين التنفيذيين: «أميركا لا تثق بكم بعد الآن». وكانت ثقة الناس في المصارف منذ عام 2007 تدنّت في شكل تاريخي في الدول المتطورة، كما في الأسواق الناشئة، وفقاً لشركة «إيدلمان» للعلاقات العامة العالمية. وكانت ثقة عامة الناس دائماً ضرورية للشركات، مثل المصارف وشركات الأغذية وشركات تصنيع الأدوية. ولذلك يجب أن تكون الشركات المالية أكثر شفافية وحرصاً على مصالح المستهلك، لأن الكونغرس فرض شروطاً أشد صرامة على المصارف والمؤسسات المالية الأخرى كجزء من قانون «دود فرانك للإصلاح المالي» لعام 2010. وكان تغاضي شركات أدوية خلال الأعوام الماضية عن أدوية كانت تعرف عن آثارها الجانبية الضارة المحتملة أدى إلى انخفاض كبير في مبيعاتها. وبلغت كلفة تسوية الدعاوى القضائية من المواطنين المتضررين بلايين الدولارات. وشكل اشمئزاز الناس من تجاوزات القطاع المالي إنذاراً لتحذير الشركات في جميع القطاعات. تقول رئيسة خبراء استراتيجية السمعة في شركة «ويبر شاندويك» للعلاقات العامة دولية، لزلي غينز روس، إن الذين يتعاملون مع أي شركة، أي الموظفين والزبائن والأهالي والناشطين والمنظمين، لهم أولوياتهم التي تتراوح من حماية البيئة إلى حقوق النساء. وتضيف إن المنظمات غير الحكومية أصبحت تمارس نفوذاً في الأسواق أكثر من أي وقت مضى، بفضل الإنترنت والهواتف الخليوية، إذ أصبحت قادرة على رصد الشركات بدقة وحشد الصفوف للعمل ضدها على جناح السرعة، وبالتالي، «لا يمكنك بعد الآن أن تستتر وراء جدران شركتك». ويلاحظ خبراء أن الشركات تتعرض للتمحيص والتدقيق، سواء مارست أعمالها في الولاياتالمتحدة أو الهند أو البرازيل أو أي مكان آخر في العالم. وأفاد مسح دولي لشركة «إيدلمان» أن «ثقة الجمهور والشفافية عنصران مهمان لسمعة الشركات، بقدر أهمية جودة المنتجات والخدمات». ويرى الأستاذ المحاضر في مادة الأعمال ب «كلية دارتموث» في ولاية نيو هامشير، بول أرجنتي، أن تعاون الشركات مع المنظمات غير الحكومية ذات منفعة لها، لأن باستطاعة هذه المنظمات، التي تحظى عادة باحترام أوسع مما تحظى به الشركات، تحسين مصداقيتها ومساعدة أرباب العمل على إيجاد أفضل السبل للتحلّي بروح من المسؤولية. واستشارت مطاعم «مكدونالد» للوجبات السريعة في منتصف العقد الماضي، جمعية أميركية تعنى بحماية البيئة قبل أن تشرع في تغليف أطعمتها بعلب صديقة للبيئة، كما أن شركة «كارغيل» المختصة بالخدمات الزراعية والمالية استشارت جمعية مماثلة من أجل تلبية متطلبات الحكومة البرازيلية في مكافحة تعرية الغابات. وأوضح الأستاذ المحاضر في مادة الأعمال في «جامعة ماين»، جون ماهون، إن شركات كثيرة تبلي بلاء حسناً لبعض الوقت، من دون أن تعير سمعتها اهتماماً يذكر، لكنها لا تعلم أنها كانت ستستفيد أكثر بكثير لو أنها أضافت إلى أدائها الجيّد سمعة أجود». ونبّه الى انه: «حين تندلع أزمة ما، يتبين أن عدم الاستثمار في السمعة يؤذي مركز الشركة». وتفيد بعض البحوث بأن الشركات ذات السمعة العطرة تستطيع إيجاد الظروف التي تعزز سمعتها أكثر فأكثر، إذ سيكون أداءها المالي أقوى، وستجتذب الموظفين الأكفاء وتطوّر القدرة على التوسع. تجربة «ميتال» والمهاجر الهندي المقيم في لندن، لاكشمي ميتال، حوّل شركة هندية مغمورة «ميتال للحديد والصلب» إلى شركة «آرسيلور ميتال» التي أصبحت إمبراطورية عالمية في صناعة الحديد والصلب، وجلّ الفضل في ذلك يعود إلى سمعتها الممتازة. وعلى نقيض ذلك، إن انتشار شائعة، مهما كانت واهية، عن فضيحة في شركة ما يهبط بسهمها ويؤثر على إيراداتها، ويؤدي الى تلاشي قدرتها على الاقتراض فوراً وبكلفة زهيدة. ويلاحظ خبراء أن الشركات الصغيرة حتى لا تنجو من هذه المثالب. فشركة «ميركي كوفي»، وهي مقهى مشهور لارتشاف القهوة في بلدة آرلنغتون (ولاية فرجينيا)، تشاجر صاحبها بقسوة مع أحد الزبائن وتناهى خبر الشجار هذا إلى الإنترنت. ونتيجة لذلك، فقد ذلك المقهى رونقه وشعبيته وطواه النسيان. ويقول أرجنتي إن «الإدارة العليا للشركات يجب أن تنشط في ضبط المجازفة بالسمعة، وهذا يعني التخطيط مقدماً للردود الممكنة على التحديات، فحين تنشأ أزمة تتعلق بالسمعة، ينبغي على الشركة المعنيّة أن تبادر إلى جمع المعلومات والاتصال فوراً بالجهات المتأثرة والتصرّف بعقلانية وشفافية». وحذّر من أن إخفاء الحقائق والمماطلة والتسويف والدفاع عن أمور لا يجوز الدفاع عنها أو الاعتماد كلياً على محترفي العلاقات العامة، سيجعل أي وضع سيء أسوأ بكثير. وقد يحسّن الإعلان عن النوايا الحسنة العلاقات العامة للشركات، لكنه لن يجعلها أكثر مصداقية، إلا إذا كانت حقاً «تعني ما تقول»، وفقاً لروس. ويضيف ماهون، إن حكومات بعض الدول النامية في حاجة ماسة جداً للاستثمار الأجنبي ولفرص العمل إلى درجة أنها في بعض الأحيان «تغضّ الطرف» عندما يتعلق الأمر بسلوك الشركات المتعددة الجنسيات. ولهذا السبب تشجع حكومات الدول المتقدمة والمنظمات غير الحكومية الشركات المتعددة الجنسيات على ممارسة مسؤولياتها الاجتماعية في هذه الدول. ويقول محللون إن عامة الناس، خصوصاً في الأسواق الناشئة، يطلبون من الشركات المتعددة الجنسيات اتباع معايير سلوك الشركات نفسها التي تتبعها الشركات المحلية، أو اتباع معايير أعلى منها، ويتفاعلون بقوة مع أي تلميح حول ربح تحققه الشركات الأجنبية على حساب السكان المحليين. وفي الصين، اضطرت بعض الشركات المتعددة الجنسيات إلى الدفاع عن نفسها ضد الاتهامات بالرشوة والتهاون في حماية المستهلكين الصينيين أو «تصدير» التلويث إلى البلاد، وفقاً لدوغلاس ديو، المدير في مكتب بكين لشركة «بيرسون - مارستيلر» للعلاقات العامة الدولية. ويذكر أن الدافع الأكثر فعالية لجدارة الثقة بالشركات هو ليس الحكومة، وإنما الثقافة التنظيمية الداخلية للشركة. ففي أواخر عام 2000، واجهت شركة «بيبسي كولا» اتهامات بالمساهمة في نقص المياه في الهند بسبب معاملها لتعبئة المشروبات. ورداً على ذلك، كثّفت جهودها للحد من استخدام المياه في مصانعها، ما أدى إلى تأمين المياه.