لم تكن مواجهة هدر السيول وغزارة الأمطار الخطر الوحيد أمام غالبية سكان جدة يوم الأربعاء الماضي، ففضلاً عن حصارهم في مقار عملهم ورجوعهم إلى بيوتهم في أوقات متأخرة، واضطرارهم إلى اجتياز مسافات طويلة سيراً على الأقدام لساعات عدة وسط مياه السيول التي وصل منسوبها إلى المتر أو أكثر من دون تلقي أي مساعدة من أحد في أحيان كثيرة، كان خطر الموت بسبب الالتماسات الكهربائية أحد أهم المهددات والمصاعب التي كانت تحيط بهم من كل جانب. ونجا محمد من موت محقق عندما صعقه التماس كهربائي خلال تنقله من منطقة الحمراء إلى شارع فلسطين سيراً على الأقدام، في وقت كان منسوب المياه آنذاك قد وصل إلى «حد ركبتيه» على حد تعبيره. وقال: «خرجت من عملي، وقدت سيارتي من الميناء متوجهاً إلى أحد الفنادق في منطقة الحمراء، اضطررت بعدها للمشي مسافة طويلة نظراً إلى اندفاع المياه بكثافة، وإذ بي فجأة أصاب بالتماس كهربائي أمام أحد الفنادق في شارع فلسطين، ما جعلني أقرر الدخول إليه، في الوقت الذي امتلأ فيه مدخل الفندق بالناس الهاربين من مياه السيول والأمطار، وبعد أن مكثت ساعات طويلة قررت مواصلة السير حتى منزل «والدتي» في حي الرحاب الأقرب من موقع احتجازي الذي لم أصله إلا في الساعة الثالثة فجراً، ومنه مضيت في طريق العودة إلى بيتي في حي السامر إذ وصلته عصر اليوم الثاني (الخميس)». ولجأ ثامر (27 سنة) إلى الإمساك بلوح خشبي خلال رحلته لإنقاذ زوجته في شارع الملك عبد الله، ويحكي: «حذرنا بعض الأشخاص من وجود صعق كهربائي في الماء، ووزع أحدهم ألواحاً خشبية على الموجودين للاحتياط تفادياً لأي حال صعق كهربائي»، مضيفاً: «لم نتلق طوال سيري من شارع الستين إلى طريق الملك عبد الله أي مساعدة، بل إن الكل كان يساعد بعضه بعضاً، وكان هناك تعاون بين العالقين فقط، إذ كان منسوب المياه مرتفعاً جداً، ووصل إلى المتر تقريباً وكانت السيارات متحطمة ومتشابكة بعضها فوق بعض من حولي، بينما انجرفت بعضها إلى مداخل البيوت والعمارات». بدوره، أوضح أستاذ الهندسة الكهربائية في جامعة الملك سعود الدكتور عبد الله الشعلان أن الكهرباء تنتقل إما من طريق الموصلات الهوائية التي نراها في الأبراج أو الأسلاك الهوائية، أو من طريق الكيابل (الأسلاك المطمورة في الأرض). وحول بعض حالات الصعق الكهربائي أثناء سيول جدة الأخيرة، أرجعها الشعلان إلى احتمالية سقوط أحد الأسلاك الهوائية التي ما زال التيار سارياً فيها بفعل الأمطار والسيول، أو أن تكون بعض أجزاء الكيابل المدفونة تحت الشوارع قد انكشفت الأمر الذي يؤدي إلى تلامسها مع الماء، لافتاً إلى أنه موصل جيد للتيار الكهربائي وبالتالي سيصبح الماء وسطاً مكهرباً سيصيب أي شخص أو كائن حي بصعقة كهربائية قد تودي بحياته، خصوصاً أن الجهد الكهربائي في الماء الملامس لوسط كهربائي يكون عالياً جداً أكثر من جهد التوزيع المتعارف عليه في المنازل والمكاتب والمحال (220 أو 110 فولت). وكان مدير المركز الإعلامي للتعامل مع الحالات الطارئة في محافظة جدة، اللواء محمد بن عبد الله القرني كشف ل«الحياة» سابقاً وفاة خمسة أشخاص نتيجة الصعق الكهربائي بين عداد الموتى في الكارثة التي ضربت المحافظة نهاية الأسبوع الماضي.