لم يكن ساكن حي النسيم وهو من بين أكثر الأحياء المتضررة من فاجعة سيول جدة عبدالكريم المغربي يتوقع أن مسجد حيه الصغير لن يكتفي بحمايته من نوازل الدهر، وصروف الأيام، بل إنه سيكون له ولأسرته درعاً حصيناً وملاذاً آمناً من غضبة الماء التي دهمت منزله ليل الأربعاء الماضي. ويقول عبدالكريم ل «الحياة»: «سجدت داخل المسجد شكراً لله، وأنا أرى مسجد الحي الذي أسكن فيه يقف شامخاً أمام جيش الماء الجرار، يحتوينا ومعنا عشرات الأسر من الأهالي المذعورين، نساءً وأطفالاً وشيوخاً، من دون أن تهتز له قاعدة أو ركن، وكأنه يقول لهم من دخل عندي فهو آمن». ويستعرض عبدالكريم شريط المأساة الذي يقسم أنه لن ينساه ما دام حياً: «لم تكن عقارب الساعة قد انتصفت بعد، الساعة ال11 صباحاً تقريباً، عندما شعرنا أنا وأسرتي بوابل غزير من الأمطار يسقط على منزلنا، فانتفضنا فجأة من أماكننا، لنشاهد ما يحدث في الخارج، لكننا لم نكد نخرج من غرفتنا حتى تطايرت أصوات الاستغاثة من أحد المنازل القريبة، فضلاًً عن صيحات النساء التي كانت تدوي في المكان، وكأنه أذان بيوم المحشر». ويواصل هدير أنفاسه المتراكمة فوق رائحة المياه الراكدة التي تكمم أفواه المارة والزائرين للحي المنكوب: «كانت لحظات حتى جمعت أفراد أسرتي وانطلقت بسيارتي التي ما إن دفعنا محركها حتى أوقفني أحد سكان الحي، طالباً مني التوجه إلى المسجد، نظراً إلى إغلاق كل الطرق المؤدية من وإلى الحي». وأوضح عبدالكريم أنه ظل وعشرات الأسر محتمين داخل المسجد لساعات طويلة، يدعون ويبتهلون، ويبكون، وأركان المسجد شامخة لا تهتز حولهم، حتى حانت ساعة الفرج، وتوقف هدير الماء، وخرج الجميع بين مهلل ومكبر يحمدون الله على خروجهم من هذه العاصفة بسلام. وتساءل عبدالكريم على مضض من غياب بعض الجهات التي كان يعول عليها أن تحضر في مثل هذه النوازل، ويؤكد «لم نجد أحداً لا رجال الدفاع المدني، ولا موظفي الأمانة، كنا ننتظر حضورهم لكنهم غابوا عنا للأسف في وقت كنا في أمس الحاجة لهم»، مؤكداً أن عناية الله وبيته المعظم حمانا واحتوانا، وجسدنا به ومعه أعظم صورة من صور التلاحم والوفاء.