لن أتحدث عما واجه حبيبتي جدة من جفاء ممن لم يخلصوا لوطنهم ولم يؤدوا واجبهم تجاهه، فشوهوا وجه العروس وملؤوها بالندب والحفر و«الدموع» التي أغرقت الشوارع والبيوت وحفرت «ذكرى أليمة» في مخيلتنا. لن أتحدث عن الوجه السلبي لدموع حبيبتي جدة... المدينة الحزينة التي تحاول لملمة جراحها لتجاوز عملية التجميل «الفاشلة» التي خضعت لها «العروس»، وكلفتها الكثير. سأتحدث عن الوجه الإيجابي للأزمة وللأحداث، عن شباب وشابات جدة الذين حاولوا حفظ ماء وجه «العروس» من «الفضيحة» التي لحقت بها فتطوعوا لخدمة أهلهم من المتضررين ولم يدخروا جهداً ولا مالاً ولا نفساً إلا وقدموها لمن لحق به الضرر من الأمطار. فرق كبير بين هؤلاء الشباب المخلصين الذين عكسوا جانباً مضيئاً من جوانب جدة يستحق الإشادة والتقدير والشكر وبين أولئك الذين أداروا عمليات إنشاء السدود والبنية التحتية لتصريف المياه من القطاعين الحكومي والخاص، الذي اعتمد «المخططات»، وعمد وأشرف ووقع على المستخلصات... ومن نفذ و«لهف» «المليارات»، ليعكسوا جانباً جشعاً مظلماً فاسداً، للإنسان، ولكل القيم والمبادئ. الحديث عن الفساد ليس جديداً ولن أضيف فيه شيئاً، فقد بُحت الحناجر، وصُمت الآذان وأشبعه الزملاء الكتاب ضرباً وركلاً ورفساً، لذا سأكتب عن «المتطوعين» الذين بلغ عددهم أكثر من 1000 شاب وشابة ممن جسدوا مبدأ «التطوع» في خدمة المجتمع بوصفه قيمة اجتماعية ودينية تستحق التكريس. كلنا نقول إن «جده غير» شعار نرفعه دوماً من أجل العروس، وهي فعلاً «غير» في كل شيء، «غير» في جمالها، و«غير» في «غرقها»، و«غير» في أزماتها، و«غير» في تفاعل أهلها مع أزماتهم، فحتى «شبابها غير»، شبابها الذين شمروا عن سواعدهم وطفقوا يعملون يميناً ويساراً من أجل مدينتهم، ومن أجل أهلهم، ومن أجل مجتمعهم بدلاً من أن «يندبوا ويلطموا الخدود» على ما أحدثته «الأمطار»، وإذا كان هناك شيء في أزمة جدة يعوضنا عن الألم والحزن الذي شعرنا به فهم هؤلاء الشباب الذي ملأ قلوبنا «فرحاً وغبطة». أخيراً: سأطالب وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمكتوبة بألاّ تكتفي بتسجيل حادثة جدة من زاويتها «التعيسة» من خلال كشف مستوى الدمار الذي لحق بممتلكات الأهالي والأنفس التي زهقت جراء الأمطار، بل يجب أن نظهر هؤلاء «الأبطال» الذين كانوا نقاطاً بيضاء كبيرة منحتنا الأمل بعد النقاط السوداء التي تكررت، وانتشرت وبعثرت في مشهد جدة الحزين. [email protected]