راح يقول «حرام ما يحدث... ده بلدنا». هذه كانت كلمة مواطن مصري شاهدته وأنا أتابع من غزة (على الفضائيات) ما يحدث في مصر الشقيقة في جمعة الغضب 28/1. لقد شد انتباهي ما يقوله هذا المواطن أكثر من النقل المباشر الذي أعقبه تصريح وزيرة الخارجية الأميركية التي تفصل الديموقراطية بما يناسب مصالحها وأهدافها ومن خلفها إسرائيل، فالديموقراطية في أميركا تختلف تماماً عن تلك الديموقراطية التي يريدونها في أي بلد عربي، الديموقراطية التي تناسب أميركا وتقودها في الوطن العربي هي الديكتاتورية والظلم والاستبداد. وما بين تونس في الأمس ومصر اليوم اختلطت مشاعري وتعبت أعصابي، وما هزني أكثر من الاعتراض على النظام السياسي ومطالبة المتظاهرين بإحداث إصلاحات هو مشاهدة أنفس تقتل وتدمير مؤسسات الوطن. لا أحد يختلف على حق المواطن في حرية الرأي والتعبير التي هي حق مكفول في كل الشرائع والقوانين وحتى في التعاليم الدينية، ولكن حرية التعبير لها وسائل مشروعة ويجب أن تتم بطرق سلمية وحضارية، وليشارك فيها من يشارك وليرفع شعارات كما يشاء وليهتف بكل ما يريد، ولكن أن تتحول انفلاتاً أمنياً وفوضى وسلوكاً منحرفاً تتجاوز حد التعبير ليخرب وينهب ويسطو، فهذا مرفوض تماماً بكل المقاييس، مرفوض لصورة المواطن المصري المحب لوطنه وأيضاً مرفوض لمصر ومقدراتها أن تخرب في هذا الشكل، فهذه الممتلكات هي ملك للوطن وليس للرئيس مبارك أو لحزبه أو لرجال أعمال أو غيرهم. هل باتت الخيارات المطروحة لحرية التعبير في أوطاننا العربية ولشعوبها هي هل نحرق أنفسنا أو نحرق أوطاننا؟ فقد تكررت مشاهد حرق النفس في تونس ومصر والجزائر وغيرها وهي مرفوضة تماماً، كما تكررت مشاهد حرق مقدرات الوطن وهذا مرفوض أيضاً، يكفي أن حكاماً باعوا الأرض والممتلكات قبل المواطن، ويكفي أنهم باعوا فلسطين في كل الاتفاقات وبعدها أفغانستان والعراق والسودان وغيرها وما زال البيع مستمراً، لكن هذا ليس مبرراً لما يحدث. ان الحقيقة المرّة هي أن الشعوب العربية منفصلة انفصالاً تاماً عن حكوماتها وقراراتها، وحرية التعبير والديموقراطية ليستا أهم من المحافظة على مقدرات الوطن. حمى الله بلداننا ومقدراتها من التخريب والظلم والفساد والمؤامرات الداخلية والخارجية.