حتماً، سيسقط السعوديون جدة من حساباتهم السياحية ربيع هذا العام. كما بلدان العربية مجاورة ترفع شعار الطوارئ؛ وستبقى الوجهة السياحية في جدة معلّقة إلى إشعار آخر، ربما يطول هذه المرة أكثر، فلن يقصدها إلا مكره على عمل. «راحت الإجازة» على سكان جدة أيضاً، حَكَم الغرق عليهم هذا العام أن يقضوا إجازتهم في مراجعة الحسابات، وتضميد الجراح، ولملمة الشتات. وجدة التي يعرفونها عروس بحر، صارت بحراً؛ خلعت فستان العرس وارتدت بزة الغوص. تشهد عشرات المروحيات التي كانت تحلّق في سماء المدينة كالنسور أن لا شيء أسفلها سوى الخراب؛ وليس للخراب إلا أن ينطوي على حزنه بعد أن جرف السيل الفرح. أكثر من 23 حياً تضررت، عشرات الآلاف من السكان دهمتهم الأمطار واحتجزوا أو فقدوا سياراتهم وتلفت ممتلكاتهم، وستكون سياحتهم هذا العام بين الشقق المفروشة ولجان التعويضات ومقار الجهات الحكومية المعنية بأمر الكارثة. لن يخرج من المدينة المنكوبة إلا بعض من أعلنوا قرار الرحيل الأخير عنها، وعقدوا عزمهم على مغادرتها إلى الأبد، أما محمد الغامدي الذي احتجزته السيول في مقر عمله الأربعاء الماضي، في الوقت الذي كانت تدهم أسرته في أحد أحياء جدة. يقول الغامدي: «السؤال عن السفر أو السياحة في هذا الوقت لغو. مئات السكان لم يصدقوا أنهم نجوا من الموت، آلاف السيارات كانت ملقاة على جنبات الشوارع بعد اجتياح المطر، أعتقد أن السكان وبعد أن هدأت الأوضاع ينتشرون حالياً في أرجاء المدينة بين باحث عن سيارته التي جرفها السيل، أو مسجّل للخراب الذي لحق بممتلكاته لتسليمه للجان التعويضات، بل البعض اتجه بأسرته إلى العيادات النفسية لتخفيف حال الرعب التي عاشوها وبدا تأثيرها في حياتهم». أما عن القادمين إلى جدة من خارجها للسياحة، فيجيب الغامدي ضاحكاً: «أي موقع مهيأ لاستقبالهم إذا كانت بعض أضخم مقار الجهات الحكومية غرقت؟»، مضيفاً: «لا تصلح جدة حالياً إلا للتحوّل إلى ورشة عمل، الشوارع تغيّرت ملامحها وتآكلت، والمباني تحيطها المستنقعات، وهي بحاجة إلى عمل كثير ومضنٍ وجاد قبل أن يفكر مسؤول في استعدادها لاستقبال السائحين». أما أبويوسف الذي يعمل في الهلال الأحمر وكان ولا يزال حاضراً في تفاصيل الحدث، فاختصر الحديث عن السياحة والمتعة بالقول: «المدينة تأثرت بالكامل، وتعرّضت إلى أضرار أشد من الكارثة الأولى، وإن كان الضحايا أقل، أما استقبال السياح، فجدة ضيّعت أبناءها في منازلهم وبين الشعاب التي هم أدرى بها، فماذا ستفعل بالغرباء؟».