تنتهي جريمة الشرف في الأردن في الغالب بإسناد المدعي العام لمحكمة الجنايات الكبرى للمتهم جناية القتل العمد والتي تصل في حال ثبوتها إلى عقوبة الإعدام، بيد أن المحكمة في معظم قضاياها تعدّل وصف التهمة إلى «القتل تحت تأثير سورة الغضب» والتي تصل عقوبتها إلى الحبس ستة أشهر، ليكون المتهم قضاها موقوفاً بعد أن يثبت بالتعاون مع أسرته، أن أفعال شقيقته أو ابنته الضحية أثارت غضبه إلى حد ارتكابه جريمة القتل بحقها. ووسط بيئة تحمي هذا النوع من السلوك تزداد الجرائم ضد الفتيات والنساء عاماً بعد عام، إذ رصدت «جمعية معهد تضامن النساء الأردني» (تضامن) وقوع عشر جرائم قتل بحق نساء وفتيات أردنيات بينهن طفلة اغلبها بداعي الشرف خلال أربعة أشهر من عام 2014، في الوقت الذي سجلت في العام الماضي كاملاً 20 جريمة بحق النساء للسبب نفسه. وشهد شهر كانون ثاني (يناير) الماضي جريمة واحدة، وشباط (فبراير) جريمتين، وآذار (مارس) جريمتين ونيسان (أبريل) جريمة قتل وشروع بجريمة قتل أخرى، وأيار (مايو) الجاري ثلاث جرائم دفعة واحدة ولم ينتصف الشهر بعد! ففي 27/1/2014 أقدم أخ يكبر أخته العشرينية بخمس سنوات على قتلها بإطلاق الرصاص عليها في إحدى قرى شمال الأردن، وفي 6/2/2014 قتلت فتاة عشرينية على يد والدها وأخيها برصاصة في منزل زوجها في مدينة الكرك جنوبالأردن، وفي 23/2/2014 أقدمت أخت في الأربعينات من عمرها على قتل أختها الثلاثينية بطعنها بأداة حادة في العاصمة عمان، وبتاريخ 12/3/2014 أقدم أب من منطقة الضليل في الزرقاء على ضرب ابنته البالغة 11 عاماً ضرباً مبرحاً أدى إلى وفاتها بسبب اتهام مدرستها لها بالسرقة، وفي 22/3/2014 أقدم شاب من منطقة دير علا في محافظة البلقاء على قتل خطيبته وهي أبنة عمه برصاصتين في رأسها نتيجة شكه بسلوكها وتبين بعد وفاتها أنها عذراء. وبتاريخ 6/4/2014 أقدم شاب عشريني على قتل امرأة أربعينية طعناً، وبتاريخ 14/4/2014 حاول أخ قتل شقيقته العشرينية في مادبا طعناً ولكن الطعنات كانت غير نافذة. وتؤكد «تضامن» أن بداية شهر أيار كانت بداية دموية للنساء إذ شهد اليوم الأول من الشهر ثلاث جرائم قتل. فقد أقدم أب سبعيني من منطقة عجلون على قتل ابنته العشرينية بضربها بحجر على رأسها، وأقدم شقيقان على قتل شقيقتهما البالغة من العمر 38 سنة رمياً بالرصاص في العاصمة عمان، فيما طعن أخ يبلغ من العمر 22 سنة في منطقة الزرقاء أخته البالغة 17 سنة طعناً بسبب خلافات عائلية. ورأت «تضامن» أن وقوع هذه الجرائم يطيح آمال الحد منها خلال عام 2014، مؤكدة أهمية اتساع نطاق تغطية القوانين لتشمل جرائم «الشرف» والجرائم المرتبطة بها حيث ينبغي للتشريعات أن تعّرف بصورة موسعة ما يسمى بجرائم «الشرف» بما يشمل المجموعة الكاملة لأشكال التمييز والعنف المرتكبة باسم «الشرف» ضد النساء والفتيات للسيطرة على خياراتهن في الحياة وتحركاتهن. ويقول الرئيس السابق لمجلس أمناء «المركز الوطني الأردني لحقوق الإنسان» أحمد عبيدات إن «القتل تحت شعار الدفاع عن الشرف جريمة تستوجب عقوبة رادعة وهو أيضاً انتهاك جسيم للحقوق الإنسانية للمرأة». ويضيف: «حركة حقوق الإنسان تدين العنف بكل أشكاله وترفضه من حيث المبدأ كأسلوب لمعالجة المشكلات جملة وتفصيلاً سواء أكان العنف فكرياً أم سياسياً أم اجتماعياً»، مشيراً إلى أن «الحوار والتوعية وتحكيم العقل هي الخيار الأمثل». ويرى عبيدات أن: «العنف ضد المرأة ينبع في الأساس من التمييز الذي يمارس ضدها، كما أنه يصادر إرادتها ويفقدها حرية الاختيار ويحط من كرامتها كانسان». وترى المديرة التنفيذية ل «مركز ميزان لحقوق الإنسان» ايفا أبو حلاوة أن «العنف ضد المرأة موجود في كل المجتمعات لكن المشكلة في الأردن هي في كيفية التعامل مع هذه المشكلة». فالمجتمع الأردني لا يتعاطف مع الضحية في حال جريمة الشرف لا بل إن القانون نفسه يشجع أحياناً على القيام بالجريمة ضد المرأة لأن هناك مواد تخفف من العقوبة بحسب أبو حلاوة. وتقول الناشطة في مجال حقوق الإنسان أسمى خضر إن اتساع مسلسل قتل الفتيات تحت مسمى «الشرف» يؤشر إلى حقيقة لا يمكن إغفالها، وهي فشل البرامج والخطط التي يقودها المجتمع المدني والمنظمات النسائية للحد من هذه الجرائم. وتشير إلى أن الأرقام الرسمية تدل إلى أن «المعدل السنوي لهذه الجرائم يتراوح ما بين 15 إلى 20 فتاة تقتل بذريعة الدفاع عن شرف مسلوب». وتطالب خضر بتشكيل مجموعات ضغط تؤدي في النهاية إلى تعديل المادة 340 من قانون العقوبات الأردني الذي يبيح قتل النساء بعدم معاقبته الجاني على فعلته. وكانت دراسة أعدها المجلس الوطني لشؤون الأسرة في الأردن أظهرت أن محكمة الجنايات الكبرى سجلت 50 حالة قتل لإناث في قضايا ما يسمّى بالدفاع عن الشرف، خلال الفترة من 2000 إلى 2010. وبينت الدراسة وهي بعنوان «الأعذار المخففة في جرائم القتل بدافع الحفاظ على الشرف: الأبعاد القانونية والقضائية والاجتماعية والدينية» أن 69 في المئة من جرائم «الشرف» كانت ترتكب على يد الشقيق، وأن 70 في المئة منهم لم يستفيدوا من العذر المخفف. وتنص المادة (98) من قانون العقوبات على أنه «يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بسورة غضب شديد، ناتج من عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه». وفشلت الحكومة الأردنية مرتين في إلغاء هذه المادة بسبب رفض مجلس النواب مدعوماً بالقوى الدينية والعشائرية. وبينت الدراسة أن 56 في المئة من الضحايا ضمن الفئة العمرية 18-28، مشيرة إلى أن 45 في المئة من الجناة كانوا من ضمن الفئة العمرية ذاتها. وبالنسبة إلى الحال الاجتماعية للضحايا، أوضحت النتائج أن 42 في المئة منهن عازبات، و42 في المئة متزوجات، بينما توزعت البقية بين أرامل ومطلقات، في حين أن 56 في المئة من الجناة كانوا متزوجين، و56 في المئة منهم عمال، ما يشير إلى انخفاض مستواهم التعليمي. وتمثلت أدوات ارتكابهم للجريمة باستخدام الأسلحة النارية أو الأدوات الحادة.