أُجريت له صورة للصدر على وقع التهابات متكررة في المجاري التنفسية. يقول التقرير المرفق بالصورة إن كل شيء على ما يرام، باستثناء بعض التكلّسات المبعثرة التي تزيّن قوس الشريان الأبهر الطالع من القلب. في الحال الطبيعية لا توجد تكلّسات في شرايين القلب. وحتى آواخر عام 2000 لم تكن الأجهزة الطبية قادرة على رصد التكلّس، إلا أن التطورات التي حصلت في التقنيات الطبية مكّنت من ايجاد أجهزة عالية الدقة تستطيع تحديد مواقع التكلّس في الشرايين التاجية للقلب حتى ولو كانت بكميات ضئيلة. لا يجب الخلط بين مفهوم انسداد شرايين القلب وتكلس شرايينه، فالأول يحدث بسبب وجود جلطة دموية في جوف الشرايين، أي في الفسحة التي يجري فيها الدم، أما التكلّس فيحدث نتيجة ترسب بلورات الكلس في جدران الشرايين فتصبح الأخيرة صلبة وفاقدة للمرونة ولا تتمدد بسهولة، ما يؤثر في سريان الدم الى العضو المصاب. وينظر الى التكلّسعلى أنه مرحلة أولية تعبّد الطريق الى الإصابة بمرض تصلب الشرايين. وتكون الترسبات الكلسية في البداية طرية لكنها تقسو مع مرور الوقت بفعل تراكم الشحوم، إلا أن هناك عوامل أخطر من شأنها أن تسرّع من وتيرة التكلّس، هي: التدخين، والداء السكري، وارتفاع ضغط الدم، والاستعداد الوراثي، والجنس الذكر، وارتفاع الكوليسترول السيء في الدم، والزيادة في الوزن، والضغوط النفسية، وقلة النشاطات الرياضية. وهناك علاقة وثيقة بين تكلّس شرايين القلب وأمراض الكلى المزمنة، فالمصابون بها يملكون فائضاً من الكلس في الدم. ولفتت دراسات الى خطر تناول أقراص الكالسيوم للوقاية او لعلاج بعض الأمراض لأنها ترفع مستوى الكالسيوم في الدم ما يزيد من احتمال اصابة الشرايين بالتكلّس. في المقابل فإن الأغذية الغنية بالكالسيوم لا تسبّب مثل هذا الأمر. وتوجد مؤشرات تفيد بأن نقص الفيتامين ك2 يمكن أن يشجع على هروب الكالسيوم من العظام ومن ثم ترسّبه في جدران الشرايين ما يعرّضها الى الإصابة بالتصلّب. وكشفت دراسة هولندية شملت 4800 شخص جرت متابعتهم طوال سبع سنوات أن المشاركين الذين تناولوا كميات أعلى من الفيتامين ك2 كانوا أقل تعرضاً لخطر الموت بالأمراض القلبية الوعائية، وبناء عليه يعتقد البحاثة أن استهلاك كميات مناسبة من الفيتامين المذكور يعني ترسبات أقل من الكالسيوم في الشريان الأبهر. وعلى صعيد تكلّس شرايين القلب أوضحت دراسة حديثة نشرت في المجلة الأميركية لتصوير القلب أن زيادة معدل التكلّس خلال فترة زمنية معينة أكثر من الحد الطبيعي ترفع من احتمال الإصابة بالجلطات القلبية لاحقاً بأكثر من ثلاثة أضعاف، وذلك بغض النظر عن عوامل الخطر الأخرى. ويمكن توقّع خطر الإصابة بالجلطة بعد قياس معدل التكلّس في تلك الشرايين من خلال التصوير الطبقي المقطعي مع الأخذ في الاعتبار عوامل الخطر الأخرى. ووفقاً لجمعية القلب الأميركية، إذا تبين أن خطر الإصابة بالجلطة القلبية ضئيل، فعندها لا يُنصح بتصوير القلب. أما إذا كانت درجة الخطر متوسطة أو عالية فإن تصوير الشرايين التاجية للقلب يصبح أمراً لا مفر منه لمعرفة درجة التكلّس. ويسمح قياس درجة التكلّس في الشرايين بواسطة أجهزة خاصة بتحديد الأشخاص الذين يرجَّح تعرضهم لأزمة قلبية في المستقبل، قبل ظهور أي عوارض عليهم، وكلما تراكم الكالسيوم بكميات كبيرة زاد خطر حدوث النوبة القلبية. ووجد باحثون بقيادة لسلي شو استاذ الأمراض القلبية من جامعة ايموري الأميركية في دراسة ضمت قرابة عشرة آلاف شخص على مدى 15 سنة أن وجود كميات أكبر من الكالسيوم في الشرايين قد يحمل معه أخطار الوفاة المبكرة بنحو ستة أضعاف، مقارنة بالأشخاص الذين لا يعانون من ارتفاع مستويات الكالسيوم في الشرايين، من هنا يقول الباحثون إن مراقبة تجمع الكالسيوم في الشرايين بكميات صغيرة أو كبيرة على مدار فترة طويلة جداً تسمح بتحديد فرص بقاء الأشخاص على قيد الحياة. هل يمكن منع التكلّس في الشرايين؟ تكلّس الشرايين عملية معقّدة تحصل خلسة على مدى سنوات، وحتى الآن لا دواء يحول دون التكلس، إنما هناك آمال معقودة على الفيتامين ك2، الذي ينتمي الى عائلة الفيتامين ك التي تضم اثنين هما الفيتامين ك1 الذي يشارك في عملية تخثر الدم، والفيتامين ك2 الذي يعمل على توجيه الكالسيوم الى العظام، وبالتالي منعه من الترسب في جدران الشرايين. وقد بينت دراسات أجريت على الفئران أن اعطاءها كميات عالية من الفيتامين ك2 خفض تراكم الكالسيوم في الشرايين بنسبة 40 في المئة. ويوجد الفيتامين ك2 في أغذية محددة لا يتناولها جميع الناس وتشمل الناتو(فول الصويا المخمر)، وصفار البيض، والأجبان الصلبة، والجبن المخمر، والمخللات المنزلية. اختتاماً، الكلس موجود في العظم فقط، فخلاياه تستطيع تجميعه من أجل تشكيل الثروة العظمية، أما في خلايا جدران الشرايين القلبية فلا وجود للكلس، وإذا وجد فيها فهذا يعني أنه ضلّ طريقه او وظيفته. ولعل المشكلة الكبرى هي أن التكلّس في الشرايين بات يشاهد في أعمار مبكرة، حتى لدى جيل الشباب، فإذا كان وجوده عند كبار السن لا ينظر اليه بعين الرضا، فماذا يمكن القول عنه في حال العثور عليه في الجيل الأصغر سناً؟