«استودعتكم الله، بحفظ الله»، كلمات خالطتها الدموع أطلقتها أمهات المحتجزات في سيول جدة لبناتهن في ساعات متأخرة من ليل أول من أمس (الأربعاء)، بعدما فقدن الأمل بعودة بناتهن إلى منازلهن. وعاشت أمهات في جدة لحظات عصيبة أثناء التواصل مع بناتهن، اللاتي لم يكن أمامهن إلا انتظار الفرج وتوقف المطر، إذ أصابهن الذعر والخوف في مقار أعمالهن ومدارسهن حتى ظهر أمس الخميس، بعد عودتهن إلى أحضان أمهاتهن. وأعطت الأم سهام عبدالقادر قرار منع لبنتها من الخروج من منزل صديقتها، بعدما تعذر وصول والدها إليها، خوفاً عليها من السيول التي غطت معظم الشوارع. وقالت سهام: «اضطرت ابنتي للذهاب مع صديقتها بعد انتهاء فترة الاختبارات، بعدما صعبت عليها العودة، الأمر الذي أجبرها على اللجوء لمنزل صديقتها». ولا تختلف الحال لدى سجى سالم الموظفة في شركة خاصة، والتي اضطرت للبقاء في مقر الشركة مع ثلاث من زميلاتها حتى ساعة متأخرة أول من أمس، بعد أن وفرت الشركة سيارة من طراز صالون لنقلهن إلى منازلهن. وذكرت سجى أن منزلها في حي الحرمين شهد سيولاً كبيرة، إذ صعب عليها الوصول إليه، فقررت المبيت لدى إحدى زميلاتها في العمل. قصص مبيت الفتيات في مقار أعمالهن ومنازل صديقاتهن كانت مألوفة أول من أمس. ولم يستطع عاملون في شركة خاصة في وسط جدة الخروج حتى صباح أمس. وقالت هتون أحمد: «اضطررت للجلوس مع 11 من زميلاتي في القسم النسائي في الشركة حتى الساعة الواحدة ليلاً، بعدما تبرع أحد مسؤولي الشركة بتوفير سيارة كبيرة، وأخرجنا من مقر الشركة، وأنزلنا لدى أقرب منزل لإحدى زميلاتنا». وأكدت نهاد الجهني الطالبة في جامعة الملك عبدالعزيز، أن عدداً كبيراً من زميلاتها نمن في مقر سكن الطالبات في الجامعة بعدما نقلن إليه. مأساة سيول جدة تضررت منها جداويات خارج المدينة، فالموظفة في إدارة حكومية في مكةالمكرمة عفاف العتيبي صعبت عليها العودة إلى منزلها في جدة، ما دفعها إلى الاستضافة لدى إحدى صديقاتها في مكةالمكرمة. المراكز التجارية تحولت إلى ملاجئ وجد كثير من أهالي جدة أنفسهم أول أمس أمام خيارين لا ثالث لهما، يتمثل الأول في البقاء محتجزين داخل جملة من المراكز التجارية فترة غير معلومة في انتظار فرج الله وتوقف المطر وانخفاض منسوب المياه في الخارج، أو المغامرة بالخروج إلى الطرقات الغريقة. هتاف محمد اختارت البقاء في أحد المراكز التجارية القريبة من جامعة الملك عبدالعزيز في جدة حتى ساعات متأخرة من المساء، بعد أن عمدت فرق من الدفاع المدني إلى إخلاء الحرم الجامعي. وتقول ل «الحياة»: «أخلت فرق الدفاع المدني جميع مباني شطر الطالبات في جامعة الملك عبدالعزيز بعدما دهمت مياه الأمطار أسوار الجامعة، وهدمت أجزاء من بوابتها الشمالية، ما أدى إلى اضطراب بين صفوف الطالبات وحدوث حالات إغماء عدة». وتضيف: «مع مرور الوقت حدث أكثر من ماس كهربائي في بعض المباني في الجامعة، ما اضطر الإدارة إلى إبلاغ الدفاع المدني». عند الواحدة والنصف من ظهر أول من أمس، بدأت عمليات إخلاء الطالبات ونقلهن إلى أحد المراكز التجارية القريبة من الجامعة، إذ اكتظت جنباته (المركز) بعدد كبير من الطالبات اللائي لا يعرفن كم سيطول انتظارهن!. هتاف ليست الوحيدة التي وجدت في المراكز التجارية ملجأ يقيها خطر الأمطار، إذ اضطر محمد العتيبي إلى ترك سيارته واللجوء أيضاً إلى أحد المباني التجارية خوفاً من السيول الجارفة. ويقول ل «الحياة»: «كنت في طريق عودتي إلى المنزل، ولكن السيول دهتمني في طريق الأندلس ما دفع رجال الدفاع المدني إلى إخراج كل من بداخل السيارات ونقلهم إلى أحد المراكز التجارية المتاخمة للطريق، إذ ما زلت أنتظر وسط جو مخنوق موعد خروجي، إذ إن التيار الكهربائي مقطوع أيضاً». ولا تزال الرؤية الضبابية تكتنف شجا سالم وهتون أحمد اللتين تعملان في شركتين منفصلتين في منطقة البلد. وتعرضتا للحال ذاته، إذ غمرت المياه المناطق المحيطة بشركتيهما، ونقلتا مع جميع من يعمل في شركتيهما إلى الأدوار العلوية من البنايتين، إذ أمروا بالانتظار إلى أجل غير مسمى، مع وعود باستئجار مركبات كبيرة تنقلهم فور انخفاض منسوب المياه وزوال الخطر إلى حيث يقطن كل منهم.