حبست مصر أنفاسها عشية تظاهرات «جمعة الغضب» اليوم، والتي دعا إليها معارضون يطالبون بإطاحة حكم الرئيس حسني مبارك. وفي وقت تراجعت حدة المواجهات في القاهرة بعدما حوّلت قوات الأمن أجزاء واسعة منها إلى ما يشبه الثكنة العسكرية استعداداً لمنع أي تجمعات قد تحصل قرب مساجد «مدينة الألف مئذنة» بعد صلاة الجمعة، كان لافتاً اندلاع تظاهرات في شرق مصر، خصوصاً في السويسوالإسماعيلية، حيث أُضرمت النيران في مراكز للشرطة و «الحزب الوطني الديموقراطي» الحاكم. ووسط هذا الترقب، سُجّل موقف لافت للمعارض البارز الدكتور محمد البرادعي، مؤسس «الجمعية الوطنية للتغيير»، الذي دعا الرئيس مبارك إلى «التقاعد»، مؤكداً استعداده «لقيادة البلاد في مرحلة انتقالية». وقال البرادعي في فيينا قبل توجهه إلى القاهرة مساء أمس، إنه يعود ليقود التظاهرات المقررة اليوم. وستكون هذه المرة الأولى التي يشارك فيها البرادعي في تظاهرات في العاصمة المصرية، علماً أنه شارك في تظاهرة نظمها معارضون في الإسكندرية العام الماضي احتجاجاً على وفاة مواطن بيد شرطيين. ولفت الإنتباه أمس أيضاً أن الدول الأوروبية سارعت إلى اتخاذ مواقف مماثلة لموقف إدارة الرئيس باراك أوباما لجهة حض السلطات المصرية على «الإنصات» إلى صوت المحتجين وتلبية مطالبهم لجهة الانفتاح السياسي. ودعا الإتحاد الأوروبي السلطات المصرية «إلى احترام وحماية كامل حقوق مواطنيها في التعبير عن تطلعاتهم السياسية من خلال تظاهرات سلمية»، في حين قال وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ إن «من المهم الاستجابة للمطالب الشرعية من أجل الإصلاح، من أجل التقدم إلى أمام في مجال الانفتاح والشفافية والحرية السياسية الأكبر». كما لوحظ أن صحيفة «نيويورك تايمز» دعت إدارة أوباما إلى محاولة اقناع الرئيس مبارك بإجراء محادثات مع معارضيه. وكتبت أن «على الإدارة اقناعه (مبارك) بقبول شرعية الاحتجاجات والبدء في التحدث مع مجموعات المعارضة». وأضافت أن «مصر بحاجة إلى التغيير، والانتقال السلمي سيكون الأفضل للجميع». وفي واشنطن، قال نائب مستشار الامن القومي الاميركي دنيس ماكدونو ان الاحتجاجات في مصر تتيح لحكومة الرئيس مبارك «فرصة كبيرة» للمضي قدما ببعض الاصلاحات السياسية التي يناقشها المسؤولون الاميركيون مع القاهرة بما في ذلك حرية التعبير. وحض ماكدونو في كلمة من البيت الابيض عبر شبكة الانترنت الحكومة والمحتجين في مصر على الامتناع عن العنف، مشيراً الى ان الرئيس باراك اوباما يتابع الوضع في مصر عن كثب. وعقد قادة الحزب الوطني الحاكم اجتماعاً أمس ناقشوا فيه تقارير عن الأوضاع الميدانية، وأعلن الأمين العام للحزب صفوت الشريف إن أياً من قيادات «الوطني» لم يهرب الى خارج البلاد بعد الاحتجاجات التي بدأت الثلثاء. وقال للصحافيين: «قيادات مصر والحزب الوطني لا تعرف الهروب وليس على رأسنا بطحة ... نحن موجودون وسنظل واقفين شامخين من أجل الوطن». واعتبر أن «عطاء حزب الغالبية كله لخدمة المواطن ولديه إيمان راسخ بحق الوطن ولا يعرف الفرار... هذه الإشاعات خرجت من دعاة الفوضى الذين يروّجون للإشاعات عن هروب طائرات وأموال». وعن حدوث تعديل وزاري، قال الشريف: «لم أسمع عن أي تعديل وزاري وهذه مسؤولية رئيس الجمهورية، لأننا دولة تقوم على مؤسسات ولا تقوم على ردود أفعال». وأضاف: «الإصلاح سيظل مستمراً.. وكل مرحلة لها ظروفها ويجب أن نكون واعين ولا نسير وراء الإشاعات وتكليفات الرئيس واضحة للحكومة بوضع التشغيل والبطالة على رأس الأولويات». وقال: «الديموقراطية لها أصول.. الأقلية والمعارضة لا تفرض الوصاية على الأكثرية». وأعلن رئيس مجلس الشعب فتحي سرور أن رئيس الحكومة أحمد نظيف سيلقي بياناً الأحد أمام المجلس في رده على بيانات عاجلة من النواب حول التظاهرات. ووقعت أشد الاحتجاجات أمس في مدينة السويس، حيث دارت مواجهات عنيفة بين قوات الأمن والمحتجين الذين أحرقوا مراكز للشرطة والحزب الحاكم وأشعلوا إطارات مطاطية وقطعوا الشوارع. وقال مدير أمن السويس ان مجنداً قتل. واشارت «رويترز» الى «حريق كبير في مركز الإطفاء بحي الاربعين». وأضافت أن النار أضرمت ايضاً في قسم الشرطة في الحي نفسه. وذكرت مصادر طبية أن 30 متظاهراً أصيبوا في السويس في مقابل ثمانية من رجال الشرطة أحدهم جروحه خطرة. كما وقعت مواجهات مماثلة في مدينة الإسماعيلية، في حين قُتل متظاهر في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة مساء أمس في مدينة الشيخ زويد شمال سيناء. وفي المقابل، شهدت القاهرة هدوءاً ملحوظاً بعد يومين من المواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين الذين حاولوا الاعتصام بالآلاف في ميدان التحرير قبل أن تفرّقهم قوات الأمن بالقوة. وانتشر آلاف الجنود في كافة شوارع وأزقة ميدان التحرير ونفّذوا عمليات واسعة لمنع وصول إلى تجمعات للمشاركة في «جمعة الغضب» اليوم. وقال مراقبون إن مهمة قوات الأمن قد تكون صعبة في احتواء المتظاهرين عند خروجهم من المساجد القريبة من بعضها في أحياء العاصمة. وحذرت وزارة الأوقاف المصرية من استخدام صلاة الجمعة في التظاهرات، وطالبت في بيان أئمة المساجد وخطباء الجمعة بعدم السماح باستخدام المساجد في التجمع وفي «إثارة البلبلة بين المواطنين أو نقل الشائعات المغرضة من غير بينة أو برهان». من جهته، قرر الاتحاد المصري لكرة القدم تأجيل مباراة الجولة المقبلة من الدوري الى أجل غير مسمى على خلفية الاحتجاجات التي تشهدها المدن المصرية.