بدا أن موجة التظاهرات المطالبة بتنحي الرئيس المصري حسني مبارك لن تنحسر سريعاً، بعدما لم يفلح إبراز السلطات بقوة أمس عصا الأمن الغليظة، في إجهاض «انتفاضة الغضب» التي استقطبت عشرات الآلاف، غالبيتهم من الشباب، فيما شهدت المواقف الدولية تحولاً لافتاً باتجاه دعوة القاهرة إلى «الإصغاء لمواطنيها» و«احترام تطلعهم إلى التغيير»، فيما تحدثت الحكومة المصرية عن مواصلة الإصلاحات. واعتقلت أجهزة الأمن نحو 900 متظاهر ونشرت عناصرها بكثافة غير مسبوقة في الميادين الرئيسة في مختلف المحافظات لمنع الاحتجاجات الأكبر في عهد الرئيس مبارك، كما منعت تجمعات في محافظات عدة بإطلاق الرصاص المطاطي وقنابل الدخان وخراطيم المياه على المتظاهرين، ما أدى إلى سقوط عشرات الجرحى. غير أن بضعة آلاف تمكنوا من التجمع في وسط القاهرةوالإسكندرية وسيناء والسويس وأسيوط والمنوفية. ودعت حركة «شباب 6 أبريل» صاحبة الدعوة إلى التظاهرة الأولى، المصريين إلى الخروج في تظاهرات حاشدة عقب صلاة الجمعة. وبعد اكتفائها بالدعوة إلى «ضبط النفس» في اليوم الأول من التظاهرات، طالبت الولاياتالمتحدة أمس النظام المصري ب «الإصغاء لتطلعات شعبها واحترام الحقوق الديموقراطية». وقال البيت الأبيض في بيان إن «الحكومة المصرية لديها فرصة هامة للإصغاء إلى تطلعات الشعب المصري والقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، لتحسين حياة الشعب والمساعدة على ازدهار مصر». وأكد أن «الولاياتالمتحدة ملتزمة العمل مع مصر وشعبها من أجل تحقيق هذه الأهداف، كما أننا ندعم الحقوق الشاملة للشعب المصري، بما في ذلك حق حرية التعبير والتجمع». وأضاف: «لدينا قناعة راسخة بأن العالم بأسره يتطلع إلى أمور معينة: إمكانية التعبير عن أفكاره وإبداء رأيه في شأن الطريقة التي يحكم بها، الثقة في دولة القانون ونزاهة القضاء، وحكم شفاف خال من الفساد، وحرية العيش كما يحلو له. إنها حقوق الإنسان، ونحن ندعمها اينما كان». وأصدر الاتحاد الأوروبي أمس موقفاً مشابهاً، معتبراً أن الاحتجاجات في مصر تظهر «الرغبة في التغيير السياسي». وقالت الناطقة باسم وزيرة خارجية الاتحاد كاثرين آشتون في بيان إن التظاهرات «مؤشر على تطلعات العديد من المصريين في أعقاب أحداث تونس». ودعت القاهرة إلى «احترام وحماية حق المواطنين في التعبير عن تطلعاتهم من خلال تظاهرات سلمية، والانتباه الى رغبتهم المشروعة» في قرارات «تعالج المشاكل التي تؤثر على حياتهم اليومية». ولجأت الحكومة إلى حجب مواقع الإنترنت التي استخدمها المحتجون في تنسيق تحركاتهم مثل «تويتر» و «فيسبوك»، لكنها نفت ذلك رسمياً، كما اعتقلت صحافيين مصريين ومراسلين أجانب، بينهم مراسل جريدة «ذي غارديان» البريطانية جاك شينكر الذي قال إن الشرطة ضربته واقتادته مع عشرات المحتجين إلى مركز اعتقال في شرق القاهرة، قبل أن يتمكن من الفرار. واحتشد نحو 3 آلاف متظاهر أمام دار القضاء العالي في وسط القاهرة، لكن الأمن منعهم من الوصول إلى ميدان التحرير، حيث كانت ذروة الاحتجاجات أول من أمس، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات في الشوارع المحيطة، امتدت إلى نقابتي الصحافيين والمحامين حيث تظاهر عدد من المنتمين إلى النقابتين، اعتقل الأمن منهم ثمانية أبرزهم عضو مجلس نقابة الصحافيين محمد عبدالقدوس. وشهدت التظاهرات في الإسكندرية وأسيوط والمنوفية وسيناء اشتباكات بين الأمن والمحتجين، كان أعنفها تلك التي وقعت في قرية سوق الثلثاء في محافظة كفر الشيخ (شمال القاهرة) التي طوقها الأمن وأمطرها بقنابل الدخان لمنع سكانها من قطع طريق رئيسة، كما وقعت في مدينة السويس صدامات عنيفة بين آلاف المحتجين والشرطة خلال تشييع جثمان أحد خمسة قتلى سقطوا في تظاهرات أول من أمس. وسعت الحكومة إلى تطويق الاحتجاجات، مؤكدة «استمرارها في إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية»، كما تعهدت «ضمان حرية الرأي والتعبير وتوفير الحماية لها»، لكنها حذرت من «الخروج على الشرعية». ورفض «الحزب الوطني الديموقراطي» الحاكم في بيان أمس تحميله مسؤولية تردي الأوضاع المعيشية في البلاد، معتبراً الاحتجاجات «جزءاً من عملية التطور الديموقراطي الذي يؤمن به الحزب». وتعهد رئيس الحكومة الدكتور أحمد نظيف «ضمان حرية التعبير من خلال الوسائل المشروعة»، مشيراً إلى أن أجهزة الأمن «التزمت بذلك خلال التجمعات الاحتجاجية التي جرت، وكانت تدخلات الشرطة كلها ردود أفعال لحالات محددة تمثلت في الخروج على الشرعية وتهديد الأمن العام، وتخريب الممتلكات العامة والخاصة، والاعتداء على رجال الشرطة».