بعد سقوط الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، عاشت تونس حالة من الفوضى في الشارع، وفي المؤسسات الحكومية، الجيش يفتح أبواب السجون ليهرب المساجين، والحرس الرئاسي يتصارع مع الجيش، وقوات الأمن لا تعلم من أين تأتيها الأوامر ولا كيف، ونحن لم نكن نعلم أياً من المادتين التي تخوّل أحد الوزراء في الحكومة التونسية لتسلم السلطة؟ هل هي المادة «56» أو المادة «57»، حتى التونسيين أنفسهم اختلفوا في ما بينهم بسبب هاتين المادتين، وفي ظل هذه الأحداث المتكهربة المتسارعة تأتي فرنسا وتعلن أنها جمّدت الحسابات البنكية التي لديها والعائدة للرئيس المخلوع ابن علي، ثم تبع ذلك إعلان سويسرا تجميد حساباته، ثم قرار الاتحاد الأوروبي بتجميد حساباته أيضاً، لست أفهم على ماذا استندت تلك الدول الأوروبية وهي تعلن تجميد حسابات ابن علي بعد خروجه من تونس ببضعة أيام؟ ما القانون الذي يخوّل أي دولة أن تجمد حسابات أي شخص كان؟ لاحظوا أن الحديث ليس عن حسابات الحكومة التونسية، بل حسابات شخصية للرئيس المخلوع ابن علي كانت موجودة لدى تلك البنوك، ربما منذ توليه السلطة عام 1987 إلى أن سقط وبعد أن سقط. قد يقول البعض إن الحكومة التونسية الموقتة هي من طالب بقرار التجميد، وهنا أقول إنه بعد سقوط ابن علي بأيام عدة، وأثناء صدور تلك القرارات، لم تكن هناك حكومة تونسية شرعية، فكما رأينا على شاشة التلفاز قيام الشعب التونسي بطرد المسؤولين من حكومة ابن علي الذين بقوا في السلطة، ورميهم في الشارع، بحجة أن التونسيين لا يريدون أي مسؤول من حكومة ابن علي أن يبقى في الحكومة الجديدة، وهذا يعني أن هؤلاء المسؤولين لا يملكون الشرعية في إصدار قرار، سواءً على حسابات ابن علي الشخصية، أو على حسابات الحكومة التونسية، فلم تُجرَ انتخابات، ولم يقبل الشعب التونسي بمن هو موجود في السلطة بعد سقوط ابن علي. فإذا كانت الدول الأوروبية تعترف بحق الشعب التونسي في خلع الرئيس ابن علي، فعليها أن تقبل باعتراضهم على بقاء «الغنوشي» ومن معه في السلطة، وبالتالي لم يكن في تونس من يملك القرار الشرعي والنظامي. وعودة إلى الموضوع الرئيس، وهو قرار تجميد حسابات ابن علي بهذه السرعة العجيبة من الدول الأوروبية، المخيف في هذا الأمر دخول سويسرا بالذات على الخط في إصدار مثل هذا القرار المشبوه، فالجميع يعلم أن سويسرا هي الدولة المؤتمنة على أموال العالم، وبحسب معلوماتي أنها البلد الذي يملك نظاماً بنكياً دقيقاً ومحكماً، لا يعلو على صوته أصوات المدافع ولا الساسة بكل ألوانهم ولغاتهم، وهو نظام يجعل المتعاملين معه، سواء كانوا أناساً دكتاتوريين، أو من صانعي السلام في العالم، يشعرون بارتياح تام وطمأنينة تدفعهم إلى أن يضعوا، ليس أموالهم فحسب، بل ربما قلوبهم وعقولهم في خزائن البنوك السويسرية، ثقةً بأن لا أحد يستطيع أن يطالها، أو حتى يطّلع عليها. ونحن في هذا السياق نتذكر بعد ما اجتاح الجيش الألماني النازي معظم دول العالم، وبدأ انهياره، أمر هتلر أحد مساعديه بأن ينقل ثروته من سبائك الذهب إلى سويسرا، وتم ذلك بعملية تهريب عبر جبال سويسرا إلى أن وصلت إلى مكان تم الترتيب له مسبقاً، لاحظوا «هتلر» وليس زين العابدين بن علي، أو حتى صدام حسين! إن ما أحاول إيصاله للقارئ أصبح واضحاً، وأنا هنا لست مدافعاً عن أموال الرئيس المخلوع ابن علي ولا عنه شخصياً، لكنني أحاول جاهداً فهم ما يحدث في دول أوروبا من سياسات وقرارات عجيبة لا أخلاقية تظهر عند الأرقام الكبيرة وهي بذلك تخالف ما نسمعه عن صدقيتهم في تعاملاتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية... إلى اللقاء. [email protected]