قنبلة تنفجر في السماء فتتناثر عنها حمم مسكوبة، كأنها فوهة بركان تنفجر في الهواء. ثم تعاني أجساد من تصيبهم أنواعاً غير مألوفة من الحروق، بل أنها بالغة الأثر في أنسجتها ما يعرضها إلى أخطار متنوعة. إنّه وصف سريع لقنابل الفوسفور الأبيض. وبرز نقاش عن استخدامها في معركة الموصل التي وصلت نهايتها العسكريّة نظريّاً مع سقوط «المسجد النوري الكبير» في أواخر شهر حزيران (يونيو) 2017 الفائت. وتذكّرت غير وسيلة إعلاميّة أن تلك القنابل (تشبه كثيراً مادة النابالم الشهيرة) استخدمتها القوات الأميركيّة في معركة الفلوجة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2004. وآنذاك، وُثّق ذلك الاستخدام في فيلم وثائقي على قناة شبكة «آر أي إيه» التلفزيونيّة التي تملكها الدولة الايطاليّة، عنوانه «الفلوجة: المذبحة المخفيّة». وبعد عرض الشريط، اعترفت وزارة الدفاع الأميركيّة (البنتاغون) باستخدام قواتها قنابل الفوسفور الأبيض في الفلوجة، على رغم نفيها تكراراً ذلك الأمر قبل عرض الشريط الإيطالي. موقف المعاهدات الدوليّة آنذاك أيضاً، أوضح موقع «غلوبال سيكيورتي» الذي يديره البنتاغون، أنّ الفوسفور الأبيض مصنف مادة حارقة، مشيراً إلى وجود حظر على استخدامه في «المعاهدة الدوليّة حول حظر بعض الأسلحة التقليدية» (1983). وتحظر المعاهدة استخدامه ضد أهداف عسكرية تكون ضمن تجمعات مدنيّة، إلا إذا كانت معزولة بوضوح عما يجاورها من مدنيّين. وشدّد الموقع عينه على أن الولاياتالمتحدة تلتزم تلك المعاهدة، لكنها لم تقر أبداً البروتوكول الثالث الملحق بها، لذا فإنها لا تعتبر الفوسفور الأبيض مادة محرمة! ويذكر أن الفوسفور الأبيض مادة شديدة الاشتعال تحترق بمجرد تعرضها للأوكسجين، بل تستمر في الاشتعال طالما لم يمنع الأوكسجين عنها. ويسبب الفوسفور الأبيض حروقاً شديدة وعميقة ومؤلمة لدى ملامسته الجلد. ويستمر في الاشتعال حتى يصل الى العظم. وسرعان ما سارت وزارة الدفاع البريطانية على خطى نظيرتها الأميركية. وأدلت باعتراف مشابه عن استخدام قواتها تلك المادة في العراق. واعتبر ناطق بلسانها أنّ استخدام الفوسفور الأبيض مسموح به في الحروب في الحالات التي لا يوجد فيها مدنيون في ساحة المعركة. وفي المقابل، نبّه البروفسور بول روجر، وهو من قسم «دراسات السلام» في «جامعة برادفورد» البريطانيّة، إلى أن الفوسفور الأبيض يعتبر سلاحاً كيماويّاً في حال استخدامه عمداً ضد مدنيّين.