تكثفت الاتصالات الخارجية حول الأزمة اللبنانية أمس وانشغلت غير عاصمة، من دمشق الى أنقرة وباريس وغيرها، بالعديد من اللقاءات ومواعيد الاجتماعات التي ينتظر أن تنعقد في اليومين المقبلين، فيما اتجهت الأنظار في الداخل والخارج الى موقف رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط من الاستشارات النيابية الملزمة التي يجريها رئيس الجمهورية ميشال سليمان الاثنين المقبل لاختيار الرئيس المكلف تأليف الحكومة باعتبار موقف كتلته النيابية (11 نائباً) بيضة القبان لترجيح تسمية الرئيس سعد الحريري أو الرئيس عمر كرامي الذي ترشحه المعارضة، في ظل مراهنة الأخيرة على أن تنضم أكثرية الكتلة الجنبلاطية اليها للفوز باستبعاد الحريري عن الرئاسة الثالثة. وإذ تجنب جنبلاط، أمس، في مؤتمره الصحافي الذي انتظره الوسط السياسي بكثير من الترقب الإفصاح عن موقف كتلته النيابية في الاستشارات، فإنه أسهب في بيان كتب بدقة، في شرح موقفه السياسي معلناً وقوف حزبه، الحزب التقدمي الاشتراكي، الى جانب سورية والمقاومة وثباته على هذا الموقف أملاً بأن يشكل قراره فرصة ومتنفساً لاستعادة الهدوء والتعقل على أساس المبادرة العربية بما ينقذ لبنان ويحفظ استقراره. وفيما جاء موقف جنبلاط إثر اجتماع استمر ساعة ونصف الساعة لكتلته النيابية، لم يتسرب شيء عن المداولات التي شهدها، بدا واضحاً أنه استعاض عن اعلان توجهه في التصويت الاثنين المقبل، بالإعلان عن موقف سياسي يتناسب مع توجهات المعارضة وسورية، إذ تردد أنه يتعرض الى ضغوط لترجيح كفة الرئيس كرامي، فقال: «للتاريخ وكي لا أحمّل فوق طاقتي» إن «المحكمة الدولية أخذت بعداً سياسياً بامتياز صار يهدد الوحدة الوطنية والأمن القومي... وخرجت عن مسار العدالة لتدخل في بازار السياسة وسوق الابتزاز والابتزاز المضاد». وشكك جنبلاط بصدقية المحكمة وقرارها الظني وكشف ان المبادرة العربية لحل الأزمة اللبنانية نصت على «إلغاء ارتباط لبنان بالمحكمة الدولية، من خلال إلغاء بروتوكول التعاون ووقف التمويل وسحب القضاة». كما كشف أنه أثناء اللقاء «الممتاز» مع الرئيس السوري بشار الأسد جرى اتفاق على تثبيت بنود المبادرة العربية من خلال البيان الوزاري. ورفع نصاً في يده قال إنه يتضمن نقاطاً مصدقة من الرئيس الأسد والأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله والرئيس الحريري. لكنه قال ان قوى دولية لم تكن لتوافق أو تقبل بحصول تقارب سوري – سعودي يمكن من خلاله التوصل الى تسوية لبنانية – لبنانية. إلا ان جنبلاط أرفق موقفه السياسي هذا الى جانب سورية والمقاومة بإشارات واضحة في اتجاه الرئيس الحريري، فأعلن عن تقديره لما أعلنه في شأن الاحتكام الى المؤسسات والدستور «وفق المنطق الديموقراطي». وزاد منتقداً أخبار اللجوء الى الشارع الذي تلوح به المعارضة ورافضاً «حملات التشهير والإزدراء»، وحذر جنبلاط من الممارسات الكيدية ومن أي قهر مخالف لأعراف التوافق، معتبراً أي محاولة إلغاء من طرف لطرف آخر مغامرة مستحيلة. ورفض جنبلاط في هذا السياق قول الحريري أنه معرض للاغتيال السياسي و «أرفض قول أحدهم في المعارضة ان ما قبل القرار الظني شيء وما بعده شيء آخر». وإذ أوضحت مصادر سياسية متعددة أن تركيز جنبلاط على موقفه السياسي الذي عاد الى التذكير بأنه سعى الى أن يكون وسطياً، مقروناً بتأجيل اعلان موقف كتلته في الاستشارات، يعود الى أمله بأن تنتج المشاورات الخارجية مخرجاً من المأزق الحالي، فإنها قالت ل «الحياة» انه يحبذ ضمناً أن يلجأ رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي نوه «بالجهد الجبار» الذي يقوم به، الى تأجيل استشارات الاثنين المقبل إفساحاً في المجال أمام التوصل الى توافق ما على الحل السياسي وعلى التكليف معاً. إلا أن أوساط المعارضة ظلّت تتصرف على أنها ستربح رئاسة الحكومة الاثنين المقبل وأنها ضمنت وقوف أكثرية الكتلة الجنبلاطية الى جانبها على رغم عدم اعلان الأخيرة عن موقفها السياسي، وأخذ بعض رموزها يتصرف على أنها تسلمت السلطة. كما أن المعارضة تراهن في اتصالات تجريها، على امتناع بعض نواب الشمال الأربعة المستقلين الرئيس نجيب ميقاتي، الوزير محمد الصفدي والنائبان أحمد كرامي وقاسم عبدالعزيز، عن تأييد زعيم تيار «المستقبل» بعدما كانوا احتسبوا سابقاً ضمن مؤيدي ترشيحه. وكان يفترض أن يعقد النواب الأربعة اجتماعاً مساء أمس تأجل لوجود الصفدي خارج البلاد. وقالت مصادر مطلعة أن رهان بعض الأطراف على تأجيل الاستشارات قد يشمل عدم ممانعة رئيس البرلمان نبيه بري في ذلك، لكن المعارضة استبعدت ذلك. كما أن بري نفسه أخذ يتصرف على أن المعارضة ربحت تسمية الرئيس كرامي فقال في تصريح له مساء أمس لتلفزيون «المنار» أن «الأجواء جيدة ونحن ننظر الى مرحلة ما بعد التكليف». وأضاف: «آل كرامي من البيوتات العريقة في الشمال وباعهم طويل مع رئاسة الحكومة وتحمل المسؤوليات الوطنية». واعتبر بري أن جنبلاط (تعليقاً على مؤتمره الصحافي) «لم يغير وهذه قناعته من بداية الأزمة لكنه، كما حركة «أمل» و «حزب الله» وسائر الأطراف في المعارضة، حاول اعطاء فرصة للحل حتى اللحظة الأخيرة لما قبل صدور القرار الظني». وتحدث عن «مسعى جدي قام به جنبلاط الأحد الماضي لو استجاب له رئيس حكومة تصريف الأعمال، لتجاوبت المعارضة معه، لأن الهدف كان تقديم التسوية المستوحاة من الورقة السورية – السعودية لقضية القرار الظني، لأن ما قبله يختلف عما بعده في المفاعيل السياسية». وحذر بري من لجوء البعض الى الخطاب الطائفي، مؤكداً أنه لا يفيد، ولا يقدم ولا يؤخر، فكل الطوائف «مش قليلة» على حد تعبيره. وقال بري إن «ما نشهده اليوم مسار دستوري وقانوني يجب أن يستكمل حتى النهاية ويُفترض بالجميع الخضوع لأصول اللعبة الديموقراطية». وتعددت التسريبات خلال اليومين الماضيين حول ما طرحه كل فريق في بعض النقاط التي تضمنتها مسودة الاتفاق السعودي – السوري. وقالت مصادر واكبت الاتصالات في هذا الصدد ل «الحياة» ان قيادات المعارضة طرحت، مقابل طرح الحريري نقاطاً تتعلق بقوى الأمن الداخلي وتشريع شعبة المعلومات وتطبيق قرارات الحوار الوطني، نقاطاً تقضي بإلغاء الصناديق وبعض الهيئات التابعة لرئاسة الحكومة (صندوق المهجرين والهيئة العليا للإغاثة ومجلس الإنماء والإعمار) مع الإبقاء على صندوق الجنوب، وأوضحت هذه المصادر ان المعارضة طالبت بأن يتضمن الاتفاق السياسي، اضافة الى تحويل مرجعية هيئات الرقابة الإدارية (مجلس الخدمة المدنية، التفتيش المركزي وديوان المحاسبة...) من رئاسة الحكومة الى جهات أخرى، وتعديل النظام لمجلس الوزراء، تعديل الدستور واتفاق الطائف لجهة النص على حق رئيس الجمهورية بالدعوة الى عقد جلسات مجلس الوزراء وتحديد مهل لرئيس الحكومة والوزراء لتوقيع المراسيم أسوة برئيس الجمهورية. كما ان الورقة التي اقترحتها المعارضة دعت الى التوافق على اسناد وزارة المال الى وزير ينتمي الى الطائفة الشيعية. أما على صعيد التحرك الخارجي، فإن مصادر واسعة الإطلاع في بيروت أكدت ل «الحياة» ان رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني انتقل مساء أمس الى دمشق للقاء كبار المسؤولين السوريين من أجل البحث في الأزمة اللبنانية. وفي باريس كشف مصدر فرنسي مطلع انه على رغم التطورات في لبنان فإن فرنسا مستمرة في مساعيها لجمع «مجموعة اتصال» حول لبنان، وعلمت «الحياة» ان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل يلتقي ظهر اليوم الأمين العام للرئاسة الفرنسية كلود غيان على أن يصل الى العاصمة الفرنسية اليوم أيضاً رئيس الحكومة القطري. ويزورها أيضاً وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو غداً الأحد. وتسعى باريس الى توسيع الاجتماعات الثنائية فيعقد اجتماع رباعي يضم وزراء خارجية فرنسا ميشال اليو - ماري وأوغلو والأمير سعود الفيصل وحمد بن جاسم الذين من المتوقع أن يلتقوا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وغيان قبل عشاء العمل الذي تسعى الخارجية الى اقامته لبحث الوضع اللبناني. وكانت المساعي الفرنسية لترتيب هذا الاجتماع بدأت منذ أمس، علماً أن التأكيد النهائي للقاء الرباعي لم يتم بعد. وتقول المصادر الفرنسية أن ساركوزي عازم على مواصلة مساعيه مع الدول العربية الصديقة لفرنسا من أجل استقرار لبنان.