لم يكن ليكفي محمود فضل مرتَّبه الذي يتقاضاه من عمله في تعليم التلاميذ في مدرسة أهلية و«تحويش» غلّة العمر قبل عودته إلى بلده، فهو وإن بدا مقتصداً إلى درجة الكفاف في طعامه وشرابه وحاجاته الخاصة فإنه يسعى إلى زيادة دخله من خلال تقديمه دروساً خصوصية في فترة ما بعد العصر واستثمار أوقاته كاملة قبل «رحيله». يخرج ذاك المعلم المنهك من مدرسته إلى منزله المشترك مع آخرين في الساعة الثانية ظهراً بعد قضاء نهار دراسي مع تلاميذه، ثم يبدأ في صنع طعام الغداء (الذي يكون عادة من الأطعمة قليلة الكلفة كثيرة الفائدة سريعة التحضير) ويستريح إلى صلاة العصر ثم ينهض سريعاً حتى يصل إلى منزل تلاميذ كانوا اتفقوا معه على إعطائهم دروساً خصوصية في مادتي الكيمياء والفيزياء قبل حلول الاختبارات النهائية بأسبوعين. ومحمود ليس وحده من المعلمين المقيمين الذين يقدمون هذه الدروس خارج الدوام الرسمي، فالمعلم مازن سليم بحث هو أيضاً عن زبائن باستخدام ملصقات وضع عليها رقم هاتفه المحمول على جدران المكتبات التجارية المنتشرة في الحي القريب من منزله في مدينة جدة وانهالت عليه اتصالات عدة ليهمَّ هو أيضاً بتدريس مجموعة من طلاب المرحلة الثانوية في مادة الرياضيات مستعيناً بزوجته في إعداد أوراق عمل لمساعدة من يفد إليه في منزله من التلاميذ. عبدالباقي فرج معلم مادة الإنكليزي لم يكن بمنعزل عن سابقَيه، فهو قبل أن تسقط الشمس باتجاه الغروب يتجه سريعاً إلى منزل تلاميذ من مدارس مختلفة كان قد وصل إليهم من طريق أحد أصدقائه الذي يعمل في مكتب للترجمة ويبقى معهم قرابة الثلاث ساعات يقدم لهم تقوية في اللغة وقواعدها. ولا تختلف حال غالبية المعلمين المقيمين في السعودية عمن سبق، فالجميع يسعى إلى تحفيز التلاميذ للحصول على تقوية عامة في مختلف المناهج التعليمية خصوصاً قبل الولوج إلى اختبارات نهاية كل فصل دراسي ونفض جيوب أولياء الأمور بالطرق السلميّة. التلاميذ بندر وزياد ومعن، طرحت عليهم «الحياة» السؤال الملح: «هل أنتم في حاجة إلى الحصول على تقوية في المناهج التعليمية خارج أوقات دراستكم الرسمية؟» تصدى الأول (بندر) للإجابة: «بكل صراحة نعم، فبعض المواد التي بحاجة إلى استعداد ذهني وتركيز مستمر ووقت أطول من توقيت الحصة المعتاد (45 دقيقة) في مواد مثل الفيزياء والكيمياء وسواهما ولا يكون هناك متسع لمعرفة بعض المسائل خلال الدرس، خصوصاً أن الفصل يضم أكثر من 25 طالباً فنضطر إلى تعويض ذلك من خلال دروس تقوية خارج أوقات اليوم الدراسي». ويعترف زياد بأن هناك استغلالاً واضحاً في أسعار الحصص، إذ إن بعض المعلمين يطلب في التدريس لمدة أسبوعين قرابة ال1500 ريال يأخذ نصفها مقدماً من كل طالب مقابل ساعة في اليوم ما عدا الخميس والجمعة، معتبراً المبلغ فوق المعقول وليس هناك من يستطيع ضبط الأسعار أو تقنينها. ووفقاً للطالب الأخير (معن): « إن بعض المدرسين يحاول تقديم أسعار أقل من غيره لكن تدريسه غير مركَّز فيحرص الطالب على السعر من دون معرفة إمكانات المعلم وقدراته في شرح المادة وحلّ التدريبات بالطرق الصحيحة، ويضيف: «ليس هناك طريقة لمراجعة المادة بالنسبة لي سوى إحضار مدرس خصوصي، فأنا أكبر الأبناء في أسرتي ووالداي يعملان وليس هناك من يستطيع مساعدتي في المنزل، لذا يضطران إلى البحث عن من يساعدني».