في ساحة كلية الفنون الجميلة في ضاحية الزمالك غرب القاهرة، تقف تماثيل عدة، من بينها تمثال «فينوس بغير ذراعين» والمعروف أيضاً بتمثال «أفروديت»، وهو تمثال يوناني لإلهة الجمال. من بين مئات الطلاب، اختار عاصم كامل وأسامة الرفاعي في عامهما الدراسي الأخير في قسم الديكور المسرحي، إقامة حوار خاص مع ذلك التمثال الغامض، المعروضة نسخته الأصلية في متحف اللوفر في باريس، من دون أن يستدل إلى الآن على ناحته أو سر الذراعين المفقودتين، معتمدين على تقنية تكنولوجية حديثة هي «projection mapping» وفيها تتغير الأجواء والإحداثيات، فقط عبر الضوء، مع الموسيقى التي تلعب دوراً محورياً في إضفاء الحالة النفسية وإكمال المشهد. «عندما يتحدث الضوء». تحت هذا الاسم المثير للتساؤلات عن الطريقة التي يمكن أن يتحدث بها الضوء، وعن أي شيء يمكن أن يفصح، انطلق العرض في ساحة كلية الفنون الجميلة لمدة 5 دقائق فقط، ومع ذلك استطاع أن يستحوذ على إعجاب الحضور وانبهارهم. واقتصر الحضور على طلاب الكلية وأساتذتها باعتباره «عرضاً تجريبياً» لا يهم العامّة. يبدأ العرض بضوء أخضر أفقي ثم رأسي يمر على التمثال في محاكاة لضوء نقاط التفتيش، وتتغير واجهة التمثال سريعاً بفعل الضوء، فترتدي أفروديت الجميلة تارة فستان سهرة، وأخرى ملابس ذات طابع «كاجوال»، ويتحول التمثال إلى قطع من الزجاج، ثم تغمره المياه مع صوت سقوطها من شلال. يمتلئ التمثال، يعود إلى الملابس، وتسقط أجزاؤه كاشفة ليس جلداً بشرياً بل تروس ماكينات مصانع... تختفي التروس وتحل محلها نافورة، ورسوم نلسون مانديلا، ثم فضاء، وعلى صوت الكاميرا عند التقاط الصور تتبدل ملابس التمثال وكأن أفروديت الجميلة على موعد مع جلسة تصوير. تعتمد التقنية المستخدمة على «إسقاط صورة ثنائية الأبعاد على مجسمات ثلاثية الأبعاد تتوافق مع الصور في شكلها، وبذلك يمكن تحويل الصورة الثنائية الأبعاد إلى ثلاثية الأبعاد»، وبذلك استطاع الطالبان أن يصورا التمثال فيما أجزاؤه تهدَم رأسياً ثم يُعاد بناؤه في الحال، لينتهي العرض على أفروديت وقد تحولت تمثالاً من زجاج تهشم عن آخره. وفي ما يخص مغزى العرض، قد يقف البعض عند السرعة في التحول الذي يكشف في كل مرة زياً يعبر عن ثقافة معينة تندرج بين المحافظة والتحرر، أو تستوقفه لحظة سقوط ملابس التمثال لتكشف ماكينة، وكأن الإنسان في حضرة التكنولوجيا المتطورة بات «متفوقاً»، أو أن ثقافة الاستهلاك سيطرت وطمست القيم الإنسانية. ومشهد ختام العرض نفسه عندما تتحوّل أفروديت إلى زجاج سرعان ما يتهشم، قد يطرح أسئلة كثيرة عن صورة المرأة وسياقها في مجتمع تغلبه الذكورية. والمفارقة أن معدَّي العرض لم يتنبها إلى أي من تلك المعاني، ولم يقصداها، وإنما «اقتصر الأمر على اختيار تصاميم معينة ودمجها بهدف اختبار تلك التقنية في عرض نعتقد أنه الأول من نوعه في الكلية»، يقول أحد مصممي العرض عاصم كمال. ويلفت إلى أنه وشريكه اعتمدا على التعلم الذاتي عبر موقع «يوتيوب» حتى تمكنا من الوقوف على تفاصيل تلك التقنية التي درساها العام الماضي لكن كمدخل دون التفاصيل التي تمكنهما من تحقيق مشروع كهذا، مشيراً إلى أن المشروع هدفه إرضاء الشغف الفني بتلك التقنية والرغبة في تعلم المزيد عنها. وأكد أنه لولا انشغاله وزميله بمشروعَي تخرجهما لخرج «عندما يتحدث الضوء» في صورة أكثر إبهاراً ودقة.