اختتمت القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية الثانية في منتجع شرم الشيخ المصري أمس بتأكيد أن التنمية الشاملة «باتت تمثل تحدياً جدياً يواجه الدول العربية» يضاف إلى التحديات السياسية. وأعربت عن رفضها أي تدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية بدعوى حماية الأقليات في الشرق، كما دانت الإرهاب الذي استهدف أكثر من بلد عربي. وشدد الرئيس المصري حسني مبارك الذي تتولى بلاده رئاسة القمة على أن «أولوية التعاون الاقتصادي والتنمية لم تعد غايتها تحقيق التقدم لشعوبنا فحسب، وإنما أصبحت قضية مستقبل وبقاء ومصير ومتطلباً أساسياً من متطلبات الأمن القومي العربي». ودعا رئيس القمة السابقة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إلى «الابتعاد عن نقاط الاختلاف في قضايانا السياسية، والتركيز على الفرص والتحديات والمتغيرات الاقتصادية في عالمنا العربي». وأوضح الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى أن مفهوم الأمن القومي العربي «تطور ولم يعد يقتصر على المفهوم التقليدي، بل اتسع ليشمل مفهوم الأمن الغذائي والبيئي، وأمن الفرد وحقه في الحياة والحرية والعيش بكرامة وبلا خوف في بيئة سليمة»، داعياً إلى تبني مشروع نهضوي عربي شامل. ورحلت القمة طلب السلطة الفلسطينية منحها 430 مليون دولار لإقامة مشاريع لدعم القدس إلى قمة بغداد المقررة في آذار (مارس) المقبل، وهو ما أثار غضب الوفد الفلسطيني، فيما طلب الرئيس السوداني عمر البشير من القمة إسقاط ديون بلاده المستحقة للدول العربية. وعبر الرئيس العراقي جلال طالباني عن أمله في حضور القادة العرب إلى بغداد للمشاركة في القمة المقبلة، معتبراً أن هذا الحضور «سيؤكد الدعم العربي لشعب العراق». وشارك في القمة العربية الاقتصادية 10 زعماء هم مبارك والشيخ صباح الأحمد وأمير قطر الشيخ خليفة بن حمد ورؤساء الجزائر عبدالعزيز بوتفليقة والسودان عمر البشير والعراق جلال طالباني واليمن علي عبدالله صالح وجيبوتي إسماعيل عمر غيله والصومال شريف شيخ أحمد وجزر القمر أحمد عبدالله سامبي. ومثّل السعودية وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، وسورية رئيس الوزراء محمد ناجي عطري، وفلسطين رئيس الوزراء سلام فياض، ودولة الإمارات رئيس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والبحرين ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، وسلطنة عمان ممثل السلطان أسعد بن طارق بن تيمور آل سعيد، والأردن رئيس الوزراء سمير الرفاعي، والمغرب رئيس الوزراء عباس الفاسي، وموريتانيا رئيس الوزراء مولاي ولد محمد الأغظف، ولبنان وزير الاقتصاد محمد الصفدي، وليبيا أمين اللجنة الشعبية العامة للاقتصاد والتجارة محمد الحويج، فيما غادر وزير خارجية تونس كمال مرجان شرم الشيخ قبل بدء الجلسة الافتتاحية للقمة، ولم يترأس وفد بلاده كما كان مقرراً، فمثّل تونس مندوبها في الجامعة العربية المنجي البدوي. وكان الرئيس المصري افتتح القمة ثم منح الكلمة إلى أمير الكويت الذي دان «العملية الإجرامية الإرهابية» التي استهدفت كنيسة القديسين في الإسكندرية في أول أيام العام الحالي. وقال إن هذا العمل استهدف «تماسك النسيج الاجتماعي للشعب المصري وبث روح الفرقة والشقاق بين أفراده». وأكد أمير الكويت ضرورة «التمسك بفلسفة العمل العربي المشترك الجديدة التي تمثلت بالابتعاد عن نقاط الاختلاف في قضايانا السياسية والتركيز على الفرص والتحديات والمتغيرات الاقتصادية»، داعياً إلى «مواصلة الجهود والعمل لتقويم الخلل وحل المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها دولنا والتركيز في اجتماعاتنا المقبلة على تجسيد هذه الرؤية التي تعد علاجاً ناجعاً لكثير من المشاكل والاحتقانات التي يعاني منها العالم العربي». وعقب انتهائه من إلقاء كلمته سلم أمير الكويت رئاسة القمة إلى مبارك الذي رأى أنه «على رغم ما نواجهه من تحديات سياسية في منطقتنا والعالم من حولنا، وعلى رغم استمرار معاناة الشعب الفلسطيني، وتعثر جهود السلام العادل والشامل وما يحدق بالعالم العربي من أزمات وأطماع ومحاولات للتدخل، فقد أدركنا أن أولوية التعاون الاقتصادي والتنمية لم تعد غايتها تحقيق التقدم لشعوبنا فحسب وإنما أصبحت قضية مستقبل وبقاء ومصير ومتطلباً أساسياً من متطلبات الأمن القومي العربي». وأكد العزم على تدعيم العمل العربي المشترك في مجالاته الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، «باعتباره السبيل الأمثل لتدعيم عملنا المشترك بمفهومه الشامل والأعم تحقيقاً لتطلعات شعوبنا للمستقبل الأفضل ودفاعاً عن مصالحنا وقضايانا في عالم نواجه أزماته وتحدياته ولا يعترف إلا بالأقوياء». ودعا إلى بلورة رؤية عربية مشتركة لسبل التعامل مع الأزمات العالمية الاقتصادية والوقاية منها والتخفيف من تداعياتها. وأضاف: «لتكن رسالتنا لشعوبنا العربية أن السلام آت لا محالة مهما كانت مراوغات الاحتلال، وأن التنمية العربية الشاملة آتية لا محالة مهما كانت الصعاب والتحديات». ثم تحدث الأمين العام للجامعة العربية، فأكد أن «مفهوم الأمن القومي العربي تطور ولم يعد يقتصر على المفهوم التقليدي بل اتسع ليشمل مفهوم الأمن الغذائي والبيئي، وأمن الفرد وحقه في الحياة والحرية والعيش بكرامة وبلا خوف في بيئة سليمة»، داعياً إلى تحقيق نهضة عربية شاملة. وقال إن عقد القمم الاقتصادية «هو مصدر للتفاؤل في ظل جو مضطرب ومزاج متشائم، إذ يعكس إدراكاً عربياً متزايداً لأهمية البعد الاقتصادي والتنموي في العمل العربي المشترك». ولفت إلى أن «النفس العربية منكسرة بالفقر وبالبطالة والتراجع العام في المؤشرات العربية للتنمية التي تزخر بها التقارير الدولية، والمشاكل السياسية التي لم نستطع حلها، ولم تتمكن الدول الكبرى من حسن إدارتها، إن لم تكن قد تسببت في تعقيدها أحياناً»، موضحاً أن هذا الوضع «أدخل المواطن العربي في حالة من الغضب، ومعالجة ذلك تتطلب تحسين مستوى معيشة المواطن العربي، خصوصاً إذا اقترن ذلك بعودة الروح أي عودة الروح العربية من خلال قيام العرب بلعب دور قيادي في منطقتهم كما كانوا دوماً عبر التاريخ». واعتبر أن «ملخص ما يحتاجه العرب هو النهضة التي يمكن تحقيقها من خلال الاستفادة واستيعاب العقول العربية». وأكد أن عقد القمة العربية الاقتصادية الثانية بعد عامين من عقد قمة الكويت، يؤكد المنحى الجديد للعمل العربي المشترك الذي أصبح يهتم بشؤون التنمية، بعد انشغاله لسنوات بالشؤون السياسية وحدها. وأضاف أن المرأة والشباب والقطاع الخاص حاضرون ومشاركون في قمة شرم الشيخ، معتبراً أن هذا تقدم كبير. وطالب الرئيس السوداني بإسقاط ديون بلاده لدى الدول العربية. وتعهد تنفيذ آخر بنود اتفاقية السلام الشامل في بلاده. وقال: «فرغنا من إجراء عملية الاقتراع على تقرير مصير جنوب السودان وفاء بعهد قطعناه»، مؤكداً التزامه بنتيجة الاستفتاء. وقال: «سيغدو السلام مبتغى لا رجعة عنه ليتحقق للسودان مزيد من الاستقرار خصوصاً في منطقة دارفور التي تمضي فيها الخطى حثيثة لإنفاذ استراتيجية السلام». ودعا الرئيس الجزائري مصر إلى حشد الجهود على المستوى الدولي لرفع الحصار عن غزة والانطلاق في عملية إعادة إعمار القطاع. ورأى أن طريق السلام في الشرق الأوسط «أصبح مسدوداً من دون أي أفق منظور»، محذراً من أن هذا الأمر «قد يتسبب في تفاقم الأوضاع ويضع المنطقة برمتها مجدداً على طريق المجهول». واعتبر أنه «يتعين على القوى الدولية إيجاد حل شامل لقضية السلام في الشرق الأوسط من أجل تفادي الانزلاقات الخطيرة وتبعاتها على السلم والأمن الدوليين بسبب تعنت إسرائيل وإصرارها على مواصلة الاحتلال». وأكد الرئيس العراقي أن «القمة العربية المقبلة في بغداد ستغدو محفلاً مهماً للتداول والبحث عن الحلول واستشراف المستقبل». وقال إن «هذه القمة تكتسب أهمية كونها تؤكد دعمكم الأخوي لشعب العراق الناهض الذي واجه محناً وصعاباً واجتاز اختبارات شاقة وتفادى الوقوع في شباك الاضطراب الأهلي وتوصل أبناؤه على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم إلى قناعة راسخة بأن العراق هو هويتهم الجامعة المحصنة لخصائص كل منهم». وتمنى على القادة العرب الحضور إلى بغداد للمشاركة في القمة العربية المقبلة. استياء فلسطيني وبعد انتهاء القادة من إلقاء كلماتهم عقدت جلسة مغلقة تداول فيها رؤساء الوفود في القرارات المعروضة على القمة قبل إقرارها. وقال مصدر عربي ل «الحياة» إن الوفد الفلسطيني إلى القمة عبّر عن غضبه من ترحيل طلب السلطة الفلسطينية تمويلاً قدره 430 مليون دولار لمشاريع في القدس لمواجهة الاستيطان الإسرائيلي إلى قمة بغداد، إذ كلفت القمة الأمانة العامة للجامعة العربية بدرس هذه المشاريع بالتنسيق مع السلطة والمنظمات العربية المتخصصة ومؤسسات التمويل العربية، لتمويلها من خلال صندوقي القدس والأقصى وفقاً لأنظمتها، وتقديم نتائج أعمالها إلى القمة المقبلة في آذار (مارس) 2011 لوضعها موضع التنفيذ. ودعا وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي الدول العربية إلى الإسراع بتسديد الالتزامات المالية التي تعهدت بها في القمة العادية التي عقدت في ليبيا في آذار (مارس) الماضي والبالغ قيمتها 500 مليون دولار لمواجهة إجراءات إسرائيل المستمرة لتهويد القدس، مشيراً إلى أن ما تم تحويله من هذا المبلغ حتى الآن لا يزيد على 37 مليون دولار. رفض التدخلات لحماية الأقليات وأقر القادة العرب بياناً يتناول موضوعي مكافحة الإرهاب والتدخلات الخارجية تقدمت به مصر والأمانة العامة للجامعة العربية. وعبّر البيان عن إدانة الملوك والرؤساء العرب الكاملة لمحاولات الترويع الإرهابي التي شهدتها المنطقة العربية أخيراً «واتخذت لنفسها ذرائع طائفية أو مذهبية أو عرقية تتناقض مع التراث الأصيل للمنطقة العربية التي كانت مهداً للحضارات ومهبطاً لجميع الرسالات السماوية ورائدة لإرساء ثقافة التعايش بين أتباع الديانات السماوية لقرون طويلة». وأضاف: «في وقت يجدد الملوك والرؤساء العرب إدانتهم للإرهاب بكل صوره وأشكاله وذرائعه والتزامهم بالقضاء على أي بؤر إرهابية في أي موقع من الوطن العربي، فإنهم يعربون عن رفضهم الكامل لما تم رصده من محاولات بعض الدول والأطراف الخارجية التدخل في شؤون الدول العربية بدعوى حماية الأقليات في الشرق، الأمر الذي يعكس غياباً مؤسفاً لإدراك طبيعة الأعمال الإرهابية التي لم تستثن أي منطقة في العالم ولدوافعها وأهدافها، فضلاً عما يظهره من جهل مسيء بتاريخ شعوب المنطقة وتجربتها التاريخية». وأكد الملوك والرؤساء العرب أنهم «يدركون جيداً أبعاد ومرامي هذه التحركات المريبة ويرفضون أي محاولة للتدخل الخارجي في الشؤون العربية تحت أي مسمى أو مبرر أو اتخاذ هذا الحدث مطية لتشويه صورة الإسلام والمسلمين أو زرع الفتنة بين المسلمين والمسيحيين الذي يمثلون نسيجاً واحداً صهرته تجربة التعايش لقرون طويلة عرفتها المنطقة العربية قبل أي بقعة أخرى في العالم».