اتهمت الولاياتالمتحدة الزعماء الإسرائيليين والفلسطينيين بعدم الاستعداد لتقديم تنازلات «مؤلمة» لازمة للسلام، وحمّلت الجانبين المسؤولية عن انهيار محادثات السلام الشهر الماضي، فيما شدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس على أن استئناف المفاوضات يستدعي من إسرائيل إطلاق الدفعة الأخيرة من الأسرى الفلسطينيين ووقف الاستيطان والعقوبات التي تلوح بها. وقدم الموفد الخاص لمفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين مارتن أنديك أول رواية علنية له عن الجهد الفاشل لوزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي استمر تسعة أشهر للتوصل لاتفاق سلام بحلول 29 نيسان (أبريل) الماضي، وأوضح أن الجانبين يتحملان المسؤولية، مشيراً إلى البناء الاستيطاني الإسرائيلي وأيضاً لتوقيع الفلسطينيين أوراق الانضمام إلى 15 اتفاقية دولية. لكن أنديك أفاد بأن المحادثات قد تستأنف في نهاية الأمر، مشيراً إلى جهد وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر الذي بدأ وتوقف ثم نجح في نهاية الأمر عام 1975 في فك الارتباط بين القوات المصرية والإسرائيلية في سيناء. وقال أنديك في مؤتمر استضافه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى مساء أول من أمس: «ما كان صحيحاً حينئذ قد يكون صحيحاً اليوم». وأضاف: «في الشرق الأوسط لا ينتهي الأمر أبداً». وتشمل القضايا الأساسية التي ينبغي حلها في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ أكثر من ستة عقود الحدود والأمن ومصير اللاجئين الفلسطينيين ووضع القدس. وقال أنديك: «إحدى المشكلات التي كشفت نفسها في هذه الشهور التسعة المنصرمة هي أن الطرفين على رغم إظهارهما بعض المرونة في المفاوضات لا يشعران بالحاجة الملحة لتقديم تنازلات مؤلمة لازمة لتحقيق السلام». وأضاف: «من الأسهل للفلسطينيين توقيع اتفاقات ومناشدة الهيئات الدولية في سعيهم المفترض للعدالة ولحقوقهم، وهي عملية لا تتطلب نظرياً أي تنازلات». وتابع: «من الأسهل بالنسبة للسياسيين الإسرائيليين أن يتجنبوا التوتر في الائتلاف الحاكم، وبالنسبة للشعب الإسرائيلي أن يبقي على الحال الراهنة الحالية والمريحة». وقال أنديك «الحقيقة أن كلاً من الإسرائيليين والفلسطينيين فوّتوا الفرص واتخذوا خطوات تقوض العملية». وعلقت إسرائيل المحادثات في 24 نيسان بعد الإعلان غير المتوقع عن بدء تنفيذ اتفاق مصالحة بين منظمة التحرير التي تقودها حركة «فتح» بزعامة الرئيس محمود عباس وحركة «حماس»، وهي خطوة بدا أنها المسمار الأخير في نعش المفاوضات التي ترعاها الولاياتالمتحدة. ووصف أنديك أيضاً القرار الفلسطيني بتوقيع 15 معاهدة دولية - فيما بدا أنه لفتة تحد لإسرائيل التي تعتقد أن مثل هذه الإجراءات ربما تضفي شرعية على الفلسطينيين - بأنه «غير بناء بوجه خاص». وأشار بالتفصيل إلى إجراءات إسرائيل لبناء منازل إضافية للمستوطنين اليهود في الضفة الغربيةالمحتلة، معتبراً أنها كانت من العوامل الرئيسية التي قوضت المفاوضات. وعلى مدى الشهور التسعة الماضية قال أنديك إن إسرائيل أعلنت عن مناقصات لبناء 4800 وحدة سكنية في مناطق أقرت خرائط فلسطينية بأنها ستذهب إلى إسرائيل. غير أنها خططت أيضاً لبناء 8000 وحدة في أجزاء بالضفة الغربية يأمل الفلسطينيون إقامة دولتهم عليها. وقال أنديك إن هذا الإجراء تسبب في توقف المحادثات لأنه ساعد في إقناع عباس بأنه ليس لديه شريك جاد في التفاوض في شخص رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. وأضاف أنديك إن الجانبين اجتمعا في محادثات مباشرة حيث جلست الولاياتالمتحدة كمراقب صامت إلى حد كبير في الشهور الستة الأولى بعد استئناف المحادثات في 29 تموز (يوليو). وفي المرحلة التالية التي استمرت نحو شهرين تفاوضت الولاياتالمتحدة أولا مع إسرائيل ثم مع الفلسطينيين في شأن «تضييق الخلافات في المقترحات» في محاولة للتقريب بين الجانبين. وقال أنديك «في ذلك الوقت أغلق أبو مازن» الباب، مضيفاً أن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي والغموض بشأن من الذي سيخلف الرئيس الفلسطيني في نهاية المطاف كانت عوامل أيضاً في توقف المحادثات. وأضاف: «توصل (عباس) إلى نتيجة مفادها أنه ليس لديه شريك يعتمد عليه لهذا النوع من حل الدولتين الذي كان يسعى إليه، وحوّل اهتمامه إلى إرثه ومن يخلفه. فهو يبلغ الآن 79 سنة. ويشعر بالقلق ويريد أن يترك منصبه ويريد التركيز أكثر الآن على الخلافة من صنع السلام». في غضون ذلك، شدد الرئيس الفلسطيني على أن استئناف مفاوضات السلام يستدعي من إسرائيل إطلاق الدفعة الأخيرة من الأسرى الفلسطينيين ووقف الاستيطان والعقوبات التي تلوح بها، وإلا فإن الفلسطينيين سيستمرون في الانضمام للمنظمات الدولية. واتهم عباس، في مقابلة تلفزيونية مساء الخميس، إسرائيل بتعليق المفاوضات، وقال: «إذا أرادت أن تعود إلى المفاوضات عليها أولاً أن تطلق سراح ال 30 أسيراً ثم نذهب إلى المفاوضات لمدة 9 أشهر». وأضاف: «إنما في الأشهر الثلاث الأولى نركز على الخريطة والحدود، وأثناء هذا التركيز وهذه الأشهر الثلاثة تتوقف إسرائيل عن النشاط الاستيطاني في شكل كامل». وتابع: «عند ذلك ننتقل أو في هذه الأثناء نكون قد ركزنا على باقي قضايا المرحلة النهائية». وتابع: «نرفض أن نتوقف عن تفعيل الانضمام لل15 منظمة التي أصبحنا أعضاء فيها (...) إذا لم تأت إسرائيل إلى المفاوضات، وإذا ارتكبت بعض الإجراءات ضدنا مثل العقوبات التي قرروا أن يفرضوها علينا، فإننا مستمرون في الانضمام إلى باقي المنظمات الدولية». وعن مشروع القرار الذي يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي تمريره في الكنيست في شأن يهودية دولة إسرائيل قال عباس: «الدولة اليهودية يضعونها عقبة في الطريق لأنهم لم يثيروها في الماضي». وأضاف: «نحن معترفون بالدولة الإسرائيلية من 1993. ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم ونحن معترفون بإسرائيل. ثم أنتم عقدتم معاهدتي سلام مع مصر والأردن ولم تطلبوا الاعتراف بيهودية الدولة منهما. يمكن أن تذهبوا إلى الأممالمتحدة وتغيروا اسم دولتكم بالشكل الذي تريدون كما فعلت دول عدة في الأممالمتحدة». ورأى عباس «أن الدائرة تضيق عندهم وتتسع عندنا. نفي حل الدولتين ما عاد ممكناً. وإسرائيل تعرف أنها تبني في أرض ليست أرضها وفي بلاد ليست بلادها». وقال: «لا أحد يستطيع أن يسمينا الآن إرهابيين. بينما على العكس، المستوطنون هم الذين يوصفون بأنهم إرهابيون. الآن أوروبا كلها تقول أن الاستيطان غير شرعي. فهي لا تقول فقط بل تفعل. بمعنى أنها الآن تقاطع منتجات المستوطنات». وشدد على أن «المشكلة مع العقلية التي تحكم إسرائيل والتي لا تريد أن ترى على حدودها دولة فلسطينية مستقلة وإنما يريدون دولة بنظامين إن لزم الأمر أو إعطاء الفلسطينيين بعضاً من الحقوق المدنية والدينية (و) هذا لم يعد ممكناً». من جهة أخرى أوضح عباس أن المصالحة مع حماس تمت «على أساس تشكيل حكومة التكنوقراط، يعني ليس من فتح ولا حماس والجبهة، هي حكومة من المستقلين والتكنوقراط وهذه الحكومة تنبذ العنف وتعترف بإسرائيل وتعترف بالشرعية الدولية وتؤمن بالمقاومة الشعبية». وقال إنه «ليس مطلوباً من حماس أن تعترف بإسرائيل لأنها ليست حكومة هي بالنسبة لنا معارضة».