كيف تكون وجيهاً اجتماعياً في السعودية، المسألة في غاية البساطة، فقط عليك حضور كل المناسبات والحفلات التي يحضرها أمراء المناطق، أو المحافظون، وكذلك المنتديات والندوات الكبرى، إضافة إلى حفلات زواج العائلات الكبرى في مدينتك. «بشت» بثلاثة ألوان «أسود وعودي وبيج»، مع الحرص على تغيير اللون بحسب كل مناسبة، استجداء مسؤولي المراسم ومديري العلاقات العامة، لدعوتك لحضور الاستقبالات والمناسبات. «الانبراش» إلى الأمام والبحث عن كرسي في الصفوف الأولى حتى ولو كانت الكراسي محجوزة لمسؤولين أو وجهاء سابقين أو كبار السن. المشي بثقة والدخول من البوابات من دون التفات لأحد، فقط شوية «طراقة» تلاقي نفسك بجانب «راعي المناسبة»، مع شوية «قلة حياء» يتخللها حزم وجدية وقت اللزوم.التصوير فن، ولذلك مع حضور كثير من المناسبات ستجد أنك صرت «فهلوياً»، فالشطارة هي في عقد صداقات مع المصورين وتقديم وعود وهدايا لهم حتى يخدموك في الصور ويلتقطون لك صوراً بجانب المسؤولين تعلقها في البيت والمكتب، وتنشرها في الصحف لتبني وجاهتك المقبلة، يضاف الى ذلك كله حسن التمركز، فليس كل الأماكن الأمامية جيدة، لذلك عليك إتباع حدسك للجلوس في الأماكن الجيدة للتصوير. بعد حضور عشرات المناسبات، عليك بالتقدم خطوة وتغشى مجالس الوجهاء والأمراء، وهذه تحتاج إلى تمرينات مهمة للرقبة حتى تستطيع هزها بشكل متواصل عند أي حديث تسمعه، حتى لو لم تفهمه أو تسمعه، ليس مهماً المهم هز الرقبة. الحضور الباكر وقراءة صحف ذلك اليوم، والمداخلة بمجموعة من العناوين لكي تظهر متابعتك للشأن العام، لكن احذر من التطويل، فهناك أذكياء ومتابعون وقراء جيدون، وقد تجد نفسك في ورطة لو توسعت في الكلام، عليك بالحصافة «فخير الكلام ما قل ودل».طبعاً ابتعد تماماً عن أخبار الأمطار، فهي موضة وجهاء «راحت عليهم»، الذين كانوا أول ما يتحدثون عن المطر الفلاني، اللي صب في الديرة الفلانية، هذا الحديث انتهى وأصبح الحديث عن المطر يقلب المواجع ولا يسر المستمعين. ستواجه بكثير من نظرات الاستعلاء من التجار والوجهاء الذين سبقوك إلى تلك المجالس وستسمع بعض الهمسات التي يجب عليك «تطنيشها»، من مثل «هذا أيش جابه هنا»، أو «مين هذا... أحد يعرفه»، وستواجه بكثير من التجاهل والاستصغار، لكن المثابرة والصبر ستؤتي بنتائج باهرة. ستجد نفسك بعد فترة تقدمت من آخر الجلسة إلى أولها، وربما تتحول إلى نديم دائم، المهم عليك بالانتقاد فهو أسهل شيء وهو موضة دارجة هذه الأيام، «ولا تخلي في نفسك شيء»، فالنفوس والصدور على أشكالك «للأسف» واسع. ابدأ بالتقرب من العائلات التجارية في مدينتك، فهم وجهاء، وإذا أرادوا بك خيراً سحبوك ناحيتهم، وإذا عادوك فلن تجد نفسك إلا متطفلاً على موائد الكبار، وعندها لا بلح الشام ولا عنب اليمن ستطوله. في خلال سنوات عليك بالانضمام لإحدى الجمعيات الخيرية، التي يفترض أنها تساند الفقراء، ليس المهم أن تتبرع، فقط عليك بالحضور الدائم والتنظير، وإلقاء التهم على الفقراء والجزم بأنهم هم سبب فقرهم وعجزهم، تلك الوصفة الممتازة ستقودك لا محالة لرئاسة الجمعية، أو على الأقل تؤهلك لتقوم أنت بتكوين جمعية جديدة حتى ولو كانت لفقراء هاواي. حاول التقرب من إمام مسجد الحي، حتى لو فتحت انتخابات المجالس البلدية من جديد، ستجد حينها شفاعة من لا ترفض شفاعته، وربما تضاف للقوائم الذهبية الصحوية وتنجح من دون ما تصرف ريالاً واحداً.بعد ذلك كله ستجد نفسك أحد وجهاء مدينتك الذين يشار لهم بالبنان، والذين يفتقدون إذا لم يحضروا، فلا تعليمك سيخدمك، ولا جهدك سنين طويلة سيشفع لك، وعندها افتح شركة عقارية ومكتب خدمات عامة وابدأ في استغلال وجاهتك الاجتماعية في «البلع والشراء»، أقصد «البيع والشراء»، لتجني ثمار جهدك وتعبك في مطاردة «الوجاهة» البراقة. [email protected]