في المقلب الآخر من ظاهرة الانتفاخ المظهري على شبكات التواصل الاجتماعي (سوشال ميديا)، أفادت استطلاعات الرأي التي أجرتها إحدى شركات صنع مستحضرات التجميل عام 2010، بأنّ ما لا يزيد على 2 في المئة من النساء يجدن أنفسهن جميلات! ولاحظت أن ذلك التدني في تقويم الذات يترافق مع انخراط محموم في جهود ترمي إلى تطابق صورتهن عن ذواتهن مع صور المشاهير والعارضات وفتيات الإعلانات في المجلات وعلى الشاشات المتلفزة. في قول آخر، كانت الصورة المفروضة من عين الكاميرا الخارجية هي سلطة طاغية تحكّمت في سلوك الأفراد، بل أجسادهم ونفسياتهم أيضاً. وحاضراً، ربما بات تضخم «التمظهر» على ال«سوشال ميديا» أقرب إلى سلطة طاغية تنشر رهاباً اجتماعياً يوصل الأفراد إلى الانخراط في جهود استيفاء متطلّبات «التمظهر»، تحت طائلة العزل والنبذ والشعور بالوحدة الشديدة. وفي قول آخر، عندما يتدنّى تقويم المرء لذاته يجد نفسه «أقل من غيره»، فتكون العزلة هي مأواه. عندما لا تتحقّق معايير «التمظهر»، يجد المرء الحل في تخفيف العلاقات الاجتماعيّة خوفاً من الفشل، ما يوقعه في الوحدة. كذلك يوصل الشعور بعدم الرضا عن الذات إلى عدم الثقة في العمل، كما يخفض التفاعل الاجتماعي، إذ يمتنع الفرد عن إبداء رأيه خوفاً من عدم الأخذ به. في تلك الحال، يضحي أصحاب «الأفواه الكبيرة» هم المسيطرين، على رغم اقتناع واسع بأنهم «يتمظهرون» فيما هم فارغون في العمق! في ظلال تلك الأجساد المختالة افتراضيّاً على ال «سوشال ميديا» والميّالة لأن تكون فارغة فعليّاً وواقعياً، يسير الصراع الصامت بين التلفزيون وشبكات التواصل الاجتماعي. (نفتح قوسين للتشديد تكراراً على أن الرياضة وجمهورها هما المثل الأوضح على ذلك الصراع). ليست بحرب إلغاء قبل القفز إلى الاستنتاجات، يجدر التذكير بأن التجربة التاريخيّة مع وسائط الإعلام العام دليل على صعوبة أن يلغي أحدها الآخر، مهما تفوّق عليه في التأثير والانتشار. في المقابل، تحاول المؤسسات استثمار التفاعل بين الوسائط الإعلامية المتنوعة، فتضع نصب أعينها مساحات الإعلانات وتوجيهها إلى فئات اجتماعية واسعة كي تحصل على حد أقصى من الربح. في المقابل، تعيش الرياضة واقعاً إعلامياً يلخَّص في وقوع الحدث الرياضي على التلفزيون، لكنه يعيش ويكتسب حياة أخرى مختلفة (ومتشابكة مع حياته على الشاشة الفضية) بفضل انتقاله إلى مواقع ال «سوشال ميديا». الأرجح أنه أمر يدل على تفاعل وتشابك بين وسيطين متنافسين بأكثر مما يؤشر إلى إلغاء أحدهما الآخر! ومن المستطاع القول أن ال «سوشال ميديا» تلتهم المحتوى الرياضي الذي يصنعه التلفزيون، تحديداً بفضل العيش الافتراضي للجمهور على شبكات التواصل الاجتماعي، بل إن صفحاتها تقدّم الأشرطة المستقاة من التلفزيون (وكذلك الأجهزة الإلكترونية الذكية) بوصفها جزءاً بدهياً من محتوى تلك الصفحات. إنّه تفاعل عميق، لا حرب إلغاء بين وسائط مختلفة، مهما بدا التنافس ضارياً وضروساً.