دخلت روسيا بقوة على خط معركة الرقة عبر إعلان وزارة الدفاع أمس، عن توافر «معطيات تدل على مقتل زعيم تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادي مع عشرات من قادة التنظيم نتيجة غارة روسية نهاية أيار (مايو) الماضي». لكن قيادة التحالف ووزارة الدفاع والاستخبارات الأميركية رفضت تأكيد أو نفي المعلومات الروسية «بسبب غياب الأدلة». وتباينت المعلومات الروسية حول الغارة، وقلل وزير الخارجية سيرغي لافروف من أهمية التطور، معتبراً أنه «لا داعي للمبالغة في حجم الحدث». وأصدرت وزارة الدفاع الروسية بياناً أمس، أفاد بأن معلومات توافرت لدى الأجهزة الروسية من قنوات عدة، دلت على أن البغدادي قتل نتيجة غارة استهدفت أحد معاقل التنظيم جنوب الرقة، خلال اجتماع حضره عشرات القياديين في «داعش». وعلى رغم أن الوزارة أكدت أنها «تدرس المعلومات»، لكن لهجة البيان عكست اطمئنان القيادة العسكرية إلى صحة المعطيات التي «تطابقت من مصادر مختلفة». وأوضحت الوزارة أن الاجتماع «كان مكرساً للبحث في مسارات خروج الإرهابيين من الرقة عبر الممر الجنوبي». وقالت إن قيادة القوات الروسية في سورية تلقت أواخر الشهر الماضي، معلومات عن خطط «داعش» لعقد اجتماع للقادة على المشارف الجنوبية للرقة. و «بعد التأكد من صحة المعلومات حول مكان وزمان عقد الاجتماع تم توجيه الضربة بوساطة طائرات مسيرة، ما أسفر عن قتل قرابة 30 قيادياً ميدانياً في التنظيم، إضافة إلى حوالى 300 مسلح من العناصر والحراس». وأشارت إلى أن موسكو «أبلغت الجانب الأميركي مسبقاً بتوجيه الضربة». وكان لافتاً أن الوزارة أوردت أسماء عدد من القياديين في التنظيم الذين قتلوا في الغارة، بالإضافة إلى البغدادي وبينهم «أمير الرقة أبو الحاج المصري» و «الأمير» إبراهيم النايف الحاج، الذي كان يسيطر على المنطقة الممتدة بين الرقة ومدينة السخنة، ورئيس جهاز الأمن التابع ل «داعش» سليمان الشواخ. وأعلن الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أن وزارة الدفاع أبلغت الرئيس فلاديمير بوتين بأنها ترجح مقتل البغدادي في الرقة السورية. لكنه تجنب تقويم التطور في حال صحت المعطيات، وقال إن التقويم التكتيكي والاستراتيجي من صلاحيات المستوى العسكري وليس الكرملين. وكان رد فعل الخارجية الروسية مشابهاً لجهة التزامه الحذر، إذ قال وزير الخارجية سيرغي لافروف إنه «لا يوجد حتى الآن تأكيد مئة في المئة لتصفية زعيم «داعش» نتيجة الغارة الروسية على الرقة». ونبه لافروف إلى أنه «لا داعي للمبالغة في أهمية القضاء المحتمل على البغدادي». موضحاً أن «كل الأمثلة لهذا النوع من العمليات كانت دائماً تحظى بقدر كبير من الحماسة وتحاط بضجة، ولكن على رغم ذلك، أثبتت التجربة أن مثل هذه الجماعات سرعان ما كانت تستعيد قدرتها القتالية». وربطت تعليقات الخبراء العسكريين الروس بين المعطيات عن مقتل البغدادي و «إسهام روسيا المباشر في معركة الرقة»، لجهة أن «الضربة التي وجهتها روسيا كان لها الأثر المعنوي الأكبر في تبديد قوة التنظيم وتفكيك قواعده». ولكن اللافت أن وسائل الإعلام الرسمية الروسية كانت نقلت في وقت سابق تفاصيل عن احتمال أن يكون البغدادي قتل في غارة نفذها الطيران السوري. بينما أشارت البيانات العسكرية الروسية في نهاية الشهر الماضي، إلى غارات روسية استهدفت قوافل متحركة، ومواقع في ريف الرقة كان عناصر التنظيم انتقلوا إليها. وفي واشنطن، قال مسؤول في البيت الأبيض «إن الإدارة الأميركية لا تستطيع تقديم أي معلومات عن تقرير وزارة الدفاع الروسية الخاص بمقتل البغدادي، كما أن أي مصدر مستقل لم يؤكد النبأ. وقال التحالف الدولي ضد «داعش» إنه لا يستطيع تأكيد مقتل البغدادي، بينما قال مسؤولون عراقيون لوكالة «رويترز» إنهم يشككون في التقرير. وفي بغداد، تضاربت المعلومات حول مصير البغدادي، ورجحت مصادر أمنية عراقية أن يكون البغدادي ما زال يتجول في مناطق جغرافية وعرة قرب الحدود العراقية- السورية. والبغدادي هو إبراهيم عواد البدري الذي ولد في سامراء ضمن محافظة صلاح الدين عام 1971، أكمل دراسته الجامعية في كلية الشريعة ببغداد، قبل أن يصبح خطيباً في عدد من مساجد محافظة ديالى حيث شكل مجموعة مسلحة بعد 2003 واعتقل بعد ذلك بعام قبل أن ينضم بعد خروجه إلى ما يعرف ب «مجلس شورى المجاهدين» ثم يصبح مسؤولاً للولايات بعد إعلان تنظيم «دولة العراق الإسلامية» ليصبح أميراً للتنظيم عام 2010 ويعلن نفسه خليفة بعد دخول تنظيمه الموصل وعدداً من المدن العراقية عام 2014. وكانت وزارة الدفاع الأميركية خصصت 100 مليون دولار لرأس البغدادي، فيما ترددت الأنباء والإعلانات عن مقتله أو إصابته أكثر من 10 مرات خلال الفترة التي أعقبت هذا التاريخ. واستبعدت مصادر استخبارية وأمنية عراقية تعرض البغدادي إلى القتل خلال اجتماعه بقرابة 100 من أنصاره خلال غارة جوية روسية، خصوصاً أن البغدادي لا يعقد اجتماعات كبيرة منذ أكثر من عامين، وأنه أوجد نظاماً خاصاً ومعقداً لحركته التي رجحت أنها تمتد في قرى متباعدة على الحدود العراقية- السورية، مستبعدة أن يكون داخل الرقة. وفي المقابل، ترى المصادر أن البغدادي لم يعد يدير التنظيم بالمعنى الحرفي، وتكشف عن اتفاق حصل في مجلس شورى التنظيم يتضمن إبعاد البغدادي خارج نطاق المعارك والخطر الأمني، خصوصاً أن مقتله مع انحسار سيطرة التنظيم في العراق وسورية قد يطرح أزمة زعامة حادة. ويرى مطلعون على نمط عمل التنظيم، خصوصاً من وجهاء العشائر، أن أزمة اختيار بديل للبغدادي قد تكون الأبرز في صفوف التنظيم الذي لا يملك وجوهاً بارزة لديها مؤهلات القيادة.