اعتاد كثيرون من العلماء والخطباء والدعاة الدعاء وفي شكل دؤوب على منبر الجمعة، وفي اختتام الدروس والمحاضرات الدينية بالدعاء المشهور: «أللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين»، وغير ذلك من الأدعية المتعددة التي تدعو بالهلاك والقتل والثبور والإذلال لعموم الكفر وأهله، وذلك لمجرد كونهم يؤمنون بدين غير دين الإسلام، سواء كانوا ممن يؤمنون بدين من الأديان السماوية كاليهودية أو المسيحية أو غيرهما من الأديان، ولكن مثل هذه الأدعية أصبحت في السنوات الأخيرة تشكل إساءة واضحة للإسلام والمسلمين، وذلك لأن هذه الأدعية على عموم الكفار التي تشمل المحاربين منهم أو غيرهم ممن لم يصدر منهم عداء أو إساءة تجاه المسلمين تتنافى مع قيم التسامح والتعايش العالمي والحوار بين الأديان، إذ باتت تُظهر الإسلام وأهله في صورة العاجز عن القدرة على التكيف والقبول والاعتراف بالآخر المختلف في دينه ومعتقداته، وهنا تبرز في مثل هذه الظروف والأحوال الحديث عن الحلول الطارئة والمعالجة الآنية والوقتية لكثير من إشكالياتنا في الموقف من غير المسلمين، ومن ذلك ما دعا إليه أخيراً عضو مجلس الهيئة السعودية لحقوق الإنسان الشيخ الدكتور عبدالعزيز الفوزان، وذلك على خلفية أحداث تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية، التي راح ضحيتها ما لا يقل عن 20 شخصاً، وإصابة نحو 80 جريحاً، بأن الدعاء على الكفار عموماً اعتداء لا يجوز، ضارباً مثلاً بدعاء يكثر ترديده عند أئمة المساجد وهو «أللّهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً»، مبيناً أنه مخالف في الدعاء وفيه إثم وظلم، وأن من يسمع هذا الدعاء يكرهك ويكره دينك، متسائلاً: لماذا لا ندعو لهم بقول: «أللهم اهدهم». وهذه المعالجة الآنية والطارئة من الشيخ الفوزان أو غيره إنما تكون حينما تقع الواقعة قد يعتبرها هو وغيره مثالاً سامياً على التسامح والتعايش مع الآخر، ولكن مثل هذه الدعوة لا يمكن أن تؤتي أكلها وثمارها، أو يكون لها مردود وتأثير حقيقي في توجيه الخطاب الديني ما دامت تتسم بالظرفية، وحالما تنكشف الغمة فإن كل شيء يعود إلى أدراجه الطبيعية، ولذلك فمن غير المستغرب أن ينشر الموقع الذي يشرف عليه الشيخ الدكتور عبدالعزيز الفوزان المعروف باسم «رسالة الإسلام» دراسة بعنوان «حكم لعن الكفار عموماً»، خلصت إلى جواز لعن الكفار إجمالاً، سواء علق اللعن بوصف الكفر، أو بصنف من أصنافهم كاليهود والنصارى ونحو ذلك، وأن بعض العلماء قد حكى الإجماع على جواز ذلك! والمشكل أيضاً أن المنطلق في منع الدعاء وتحريمه على الكفار، على وجه العموم، بالدمار والهلاك، ليس من مبدأ تسامحي وتعايشي مع الآخر، وباعتباره ظلماً وإساءة إليه، وإنما من مبدأ كونه مخالفاً لسنة الله في أرضه في أنه لا يزال منهم أناس موجودون في الأرض إلى قيام الساعة، وأن حكمة الله ومشيئته اقتضت بقاء النوع البشري حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى. فردود الفعل وتجميل الصورة الوقتي، وفقاً للظروف والطوارئ لا يمكن أن تصنع منهجاً وثقافة ما لم تنبع من إيمان صادق وقناعة تامة بضرورة التغيير في خطابنا مع الآخر، أما القضية الأخرى، وهي جعل الخلاف في مسألة الدعاء على الكفار، أو غير المسلمين عموماً، دائرة بين حالتين لا تقبل التثليث، وهي إما أن ندعو عليهم بالقتل والهلاك، أو ندعو لهم بالهداية من الكفر والضلال والدخول في الإسلام، فإما هذه أو هذه، أما أن نقبل بهم وأن نتعامل مع الآخرين بصرف النظر عن أديانهم ومعتقداتهم، بحيث لا تكون العلاقة قائمة على أساس العداء والكره، أو الاستهداء والدعوة للتخلي، أو التراجع عن معتقداته وأفكاره التي يؤمن بها، فهذه الصورة ليس لها حظ في واقعنا، فالعلاقة بالآخر، سواء القريب الذي يعيش بيننا، أو البعيد، لن تكون على مبلغ من التقدم والإيجابية إلا أن قامت على أساس من الاحترام والاعتراف المتبادل، التي بدورها تعزز مبادئ الكرامة والحرية الإنسانية. أما إن كانت العلاقة قائمة على رفض الآخر، بتفاوت صورها، فذلك يعني الدعوة إلى تقويض الكرامة والقيم والحرية الإنسانية. * كاتب سعودي