كثيرة المعلومات التي تصل الى جهاز «الشاباك» الإسرائيلي دون أن تكلّف من أرسلها عناء البحث والتحري والرصد والتنصت وغير ذلك من وسائل التجسس، فإذا كنت ثرثاراً تحب الكلام، وفي الوقت نفسه أنت قيادي في أحد فصائل المقاومة، فإنك عميل للشاباك من دون أن تدري. فكيف يحصل ذلك في مجتمعاتنا؟ وهل ينقصنا الوعي الأمني؟ أم ما ينقصنا هو فقط إدارة المعلومة السرية؟ أبو صهيب قائد ميداني يعمل منذ سنوات في مقاومة قوات الاحتلال الإسرائيلي، وفي ذات يوم، وبعد عناء الرباط، خرج أبو صهيب من منزله ليجلس مع جيرانه أمام منزلهم، وهذه عادة جميلة من عادات الشعب الفلسطيني، وبدأ حديث رجالات الحارة حول قضايا الساعة السياسية والاقتصادية والوضع الاجتماعي والرياضي وغير ذلك من حواديت الحارة. كان يجلس ضمن هذه الحلقة أبو محمد، وهو مرتبط مع الاحتلال منذ عام 1989 - وهذا ما اكتشفته المقاومة لاحقاً -، وفي سياق الحديث أسهب أبو صهيب في الحديث عن المقاومة وإنجازاتها، ودافع دفاعاً مستميتاً عنها من دون الخوض في التفاصيل. وأثناء الجلسة رن الهاتف النقال لأبو صهيب، فرد قائلاً: السلام عليكم، كيفك أبو ماجد، إن شاء الله الاجتماع سيكون يوم غد في منزل أبو فؤاد، وسيحضره المجلس العسكري، وسيتم طرح كل المشاكل والخطط المستقبلية، تحياتي لك أخي أبو ماجد، وأغلق أبو صهيب هاتفه النقال، واستكمل حديثه مع الجيران. العبارات السابقة هي ما سمعها بشكل واضح العميل أبو محمد، وبعد أن انفضت الجلسة وعاد كل واحد إلى منزله، ذهب العميل ليبلغ قيادة الشاباك بما سمع، فطلب الضابط من أبي محمد تزويده برقم جوال أبو صهيب، ولم يكن ذلك بالشيء الصعب كون أبو صهيب هو جار لأبي محمد، فأعطاه رقم الهاتف النقال، وانتهى دور أبو محمد عند هذه اللحظة، وبدأت معركة الشاباك المعلوماتية، حيث حصل الشاباك من خلال وسائله الخاصة على رقم أبو ماجد، وهو الشخص الذي تحدث مع أبو صهيب، وتعرف على هويته الكاملة، وبدأت عمليات الرصد، حتى بدأ الاجتماع، وبعد عشر دقائق من الاجتماع، اتصل رجالات الشاباك بأبي صهيب من رقم مجهول المصدر، وعندما تحدث أبو صهيب بقوله السلام عليكم، كانت الذبذبات تعطي اشارة لصاروخ أرض أرض ينطلق نحو المكان الذي يتواجد فيه أبو صهيب ومجموعته، فاستشهدوا جميعاً، وانتقلوا إلى جوار ربهم، ولكن السبب المباشر هو الإهمال الأمني، والثقة الزائدة، وغياب الوعي الأمني والاستهتار بالمعلومة السرية مهما كانت بسيطة. الخلاصة: الثرثرة الزائدة في المجالس، وعلى الهواتف، وعبر وسائل الإعلام، قد تجعل منك مصدراً للمعلومات من دون قصد، وقد تتسبب في قتل إخوانك، أو فضح أسرار تنظيمك أو جهازك الأمني، فينبغي على كوادرنا الوطنية والإسلامية أن تعي خطورة المرحلة، وألا يكونوا بقصد أو بغير قصد عملاء للشاباك الإسرائيلي.