انتقال الزوجة، وأحياناً الأسرة كلّها، إلى منطقة جديدة أو بلد جديد بحسب متطلّبات عمل الأب، أمر يعتبر من بديهيات الحياة في لبنان، أكان ذلك يعني البحث عن وظيفة جديدة أم سبيلاً للحصول على ترقية. فالسفر أو الانتقال من منطقة لأخرى، بسبب الأوضاع الاقتصادية المتأزمة، باتا جزءاً من حياة اللبنانيين، بما يحملانه من إيجابيات وسلبيات. إلا أنّ ما يسري على عمل الرجل ليس مطابقاً تماماً لما قد تواجهه الزوجة في حال كانت هي المعنية بالبحث عن آفاق مهنية جديدة، أو إذا كانت ترقيتها توجب عليها الانتقال أو السفر، فالحسابات والآراء تختلف عمّا إذا كان الزوج هو الذي اتخذ قرار التغيير المهنيّ أو السفر وربما الهجرة أيضاً، ما يطرح تساؤلات تنسجم مع الأوضاع المهنية المتقدّمة التي وصلت إليها المرأة اللبنانية: إلى أي مدى يمكن للرجل اللبنانيّ ان يكون مسانداً لزوجته في طموحاتها المهنية؟ وهل يقبل أن يسير معها بحسب متطلّبات عملها حتّى لو عنى ذلك الانتقال أو السفر وتغيير الوظيفة؟ «لا أحد يمكن أن يقف في وجه طموحات المرأة اللبنانية»، تقول نهى (35 عاماً) بنبرة حاسمة تعبّر عن رأيها في إمكان أن يمتثل الزوج لمتطّلبات عمل زوجته. نهى التي تعمل مديرة للمبيعات في صالة عرض للسيارات، تؤكد أنّ زوجها يساندها بشكل كامل في هذا المجال، «فكما يمكن لي أن أترك عملي وطموحي من أجل أن يحقق هو نفسه، كذلك من المهم جداً لي أن يفعل الشيء نفسه تجاهي». إلا أنّ نهى تلفت إلى واقعة أساسية: «هذا الاتفاق يجب أن يتمّ قبل الزواج، فهناك فتيات يقبلن بأن يكنّ ربّات منزل قبل أن يتزوجن، وبعدها يطالبن بحقوقهن المهنية. وهنا لا يمكن الاستغراب حين يرفض الرجل أن يماشي زوجته في عملها، فالمرأة يجب أن تصارح زوجها بطموحاتها كي يدرك أنّ هناك سيرتين مهنيتين في الأسرة وليس واحدة». زوج نهى يؤكد من جانبه أنّه كان قد اشترى منزلاً قبل التعرف اليها، وبما انّ موقعه لم يناسب مكان عملها، باعه واشترى منزلاً آخر أقرب الى العمل لتأمين الراحة لزوجته، فيما يقضى أكثر من ساعتين يومياً في الطريق الى عمله. إلا أنّ هذا التوافق لا يظهر عند جميع الأسر اللبنانية، فنسيب (أبٌ لثلاثة أطفال) يرى أنّ الأسرة يجب أن تسير بقرار الأب لا الأم، لذا لا يمكن له أن يوافق على انتقال عائلته كلّها بسبب عمل زوجته. ويؤكد أنّه لا يقبل إلا أن تعمل زوجته بدوام جزئي «لئلا تهمل منزلها أولاً وكي لا تقلق الأسرة كلّها بطموحاتها المهنية ورغبتها في الانتقال أو البحث عن وظيفة جديدة». وكثيراً ما يوافق الرجال نسيب رأيه، فالمرأة برأيهم يمكن أن تعمل ولكن لا يمكن لطموحاتها أن تحدّد مصير العائلة الى درجة السفر أو الانتقال. إسكندر (45 عاماً) يملك متجراً في وسط بيروت، ويعيد أسباب رفض الرجل مجاراة الطموحات المهنية لزوجته، الى رفضه أن يكون «زوج الستّ» . ويقول إسكندر: «هناك خوف دائم لدينا أن تسبقنا زوجاتنا، وأن يحققن هنّ ما لم نستطع نحن أن نحققه. لذا، فإنّ رفض الانصياع لمتطلبات وظيفة المرأة نابع من المنافسة غير المرئية بين الزوج وزوجته مهنياً». ويضيف: «هل تتوقعون ما يمكن أن يقول المجتمع عن الرجل الذي يترك عمله أو مكان سكنه لينتقل الى مكان آخر يناسب عمل زوجته؟ سيُقال عنه حتماً أنّه زوج الستّ». هذا المفهوم الذي يشير إليه إسكندر أي «زوج الستّ»، ما زال يشكلّ في لبنان وسيلة لتعيير الرجل، على اعتبار أنّ «وراء كلّ رجل عظيم امرأة» وليس العكس أبداً، فالأسرة اللبنانية ما زالت قائمة على أساس السلطة الأبوية. صراع غير معلن ما زال يدور في العديد من الأسر اللبنانية، فتقدّم الزوجة مهنياً مسموح ولكن بحدود خفيّة في الكثير من الأحيان، أكان ذلك يعود إلى خوف الزوج من المنافسة أم الى قلقه من إهمال زوجته لعائلتها، إلا أنّ النتيجة الحاسمة تبقى متعلّقة بكلّ زوجين على حدة.