ما زال قرار السعودية والإمارات العربية ومصر ودول أخرى عزل قطر يتفاعل إقليمياً ودولياً، ولم تجد الدوحة أمامها لفك هذه العزلة سوى تركياوإيران، إذ قرر الحزب الحاكم في أنقرة تزويدها قوة عسكرية «بناءً على اتفاق سابق»، واستجابت طهران طلبها لإمدادها بالأغذية والماء، وسط مخاوف من تشديد العقوبات عليها. وفيما أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الألماني زيغمار غابرييل، أن دول الخليج قادرة على حل الخلاف مع قطر بنفسها، ولم تطلب وساطة أحد، دعا غابرييل إلى البدء بخطوات لنزع فتيل الأزمة، وحذر من «نهج (الرئيس دونالد) ترامب» في العلاقات بين الدول. وغادر أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الرياض أمس، متوجهاً إلى أبو ظبي، حيث التقى المسؤولين الإماراتيين ثم غادر إلى الدوحة، في إطار مسعاه لتخفيف حدة التوتر، وسيصل إلى القاهرة اليوم عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى، بعد زيارة سريعة للسعودية، للقاء الرئيس عبدالفتاح السي سي. وأعلن مسؤول كبير في البيت الأبيض أن ترامب تحدث هاتفياً مع خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز مساء الثلثاء، و «شدد على ضرورة وحدة الخليج لمحاربة الفكر المتطرف وتمويل الإرهاب، ومن أجل السلام والأمن في المنطقة». في أنقرة، أثار قرار حزب «العدالة والتنمية الحاكم» تقديم موعد التصويت والمصادقة على اتفاقية مع قطر، وقعت العام الماضي، وتقضي بإرسال قوات تركية إلى الدوحة بهدف التدريب والإقامة الطويلة، سجالاً بين الكتل البرلمانية حول أسباب هذا القرار وتداعياته. إذ أعلن حزب الشعب الجمهوري المعارض رفضه المصادقة على هذه الاتفاقية، وقال النائب في الحزب أوزترك يلماز «إن هذه الخطوة ستضع تركيا في قلب الأزمة الجارية حالياً مع قطر». وكانت تصريحات المسؤولين الأتراك حول سعي أنقرة للتوسط بين قطر والدول التي قطعت علاقاتها معها، أكدت أن الرئيس رجب طيب أردوغان لم يحسم قراره بعد بدعم أي من طرفي الأزمة. وانطلقت الأذرع الإعلامية لجماعة «الإخوان المسلمين»، ومن بينهم النائب في حزب «العدالة» يس أكطاي الذي كان مسؤولاً عن تواصل الحكومة مع الجماعة سياسياً، قبل أن يطرده أردوغان من المكتب التنفيذي للحزب قبل أسبوعين، إذ قال عن «الاخوان» إنها «جماعة فكرية متحضرة لم تفكر باللجوء إلى العنف حتى عندما قتل 3000 من أبنائها في واقعة رابعة، وهي أبعد ما تكون عن الفكر المتطرف أو العنف». وطالب ب «دعم قطر بقوة»، مؤكداً أن «الهدف الأساسي لهذه الأزمة هو الرئيس وتركيا»، «وأن رضوخ قطر سيؤدي إلى مطالبة أنقرة بالرضوخ». كما انبرى رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو الذي غاب عن الإعلام منذ خروجه من السلطة عام 2015، ليعود إلى شاشة قناة محلية وينادي ب «دعم قوي للموقف القطري، وفتح الأراضي التركية لقيادات حركة حماس». في برلين، قال الجبير، عقب محادثاته مع غابرييل إنه «شرح لنظيره الألماني أسباب أزمة قطع العلاقات مع الدوحة وخلفياتها»، مشيراً «إلى الأمل بأن تستجيب قطر الشقيقة وتنهي دعمها المنظمات المتطرفة، بخاصة في هذا الظرف الذي تعيشه سورية والعراق وغيرهما». وأضاف أن «السعودية ودول التحالف لمحاربة الإرهاب تأمل بالقضاء على الإرهابيين في المنطقة»، لافتاً إلى أن «الهدف من اجتماع رؤساء الدول الإسلامية في الرياض بحضور ترامب محاربة الإرهاب أينما كان». ونفى أن يكون قد طلب من الحكومة الألمانية التوسط مع الدوحة. أما غابرييل فقال إنه استمع إلى الأسباب التي أدت إلى الأزمة مع قطر، مشدداً على أن «حكومته تتابعها بقلق بعد إغلاق البر والبحر والأجواء أمام قطر». وحض الجميع «على التعامل مع المسألة بروية». وعن تقويم ألمانيا زيارة ترامب السعودية، قال «نحن الأوروبيين كنا نفضل لو تم البحث في حماية حقوق الإنسان والتحذير من النزاع مع إيران، خصوصاً أن الاتفاق النووي أثبت نجاحه». وختم الجبير المؤتمر قائلاً: «ننظر إلى قطر وشعبها نظرة أخوية، ونعمل بالمثل القائل: ادعم أخاك إذا كان موقفه صائباً، وانصحه واردعه إذا كان خطأً». إلى ذلك، نقلت وكالة «رويترز» عن وزير الدولة الإماراتي أنور قرقاش قوله إن أبو ظبي لا تستبعد مزيداً من الإجراءات العقابية ضد قطر، بما في ذلك فرض قيود جديدة على الشركات والمعاملات التجارية «وهذا الخيار ما زال مطروحاً». وأضاف أن تفكيك التشابكات التجارية المتنوعة للغاية بين قطر وجيرانها سيكون مهمة معقدة جداً، لكن قد يكون ضرورياً». وزاد: «نأمل بأن يسود الهدوء والتروي وأن تسود الحكمة وألا نصل إلى ذلك». وتابع: «يتعين عليها أن تعلن التزامها الكامل بتغيير سياساتها قبل بدء محادثات لحل الأزمة، ونأمل بأن يؤدي ما اتخذناه من إجراءات إلى إضفاء بعض التعقل على صانعي القرار في قطر عندما يرون أن مصلحتهم ليست في تقويض مصالح جيرانهم». ورداً على سؤال عما إذا كانت قطر تُدفع بذلك إلى أحضان إيران قال إن «طهران تسعى لاستغلال الخلاف لتوسيع الشقاق بين دول الخليج العربية». وتكون عمان، التي أعلنت تخفيض التمثيل الديبلوماسي القطري لدى البلاط الملكي وإمهال سفير الدوحة مدة أسبوع لمغادرة الأردن، وإغلاق مكتب قناة الجزيرة القطرية في عمان، قد جددت انحيازها لمحور الاعتدال العربي الذي يضم مصر والسعودية والإمارات. وقالت مصادر سياسية متطابقة، أن مركز القرار كان في انتظار أنباء الوساطة الكويتية واتضح لها أنها لم تسفر عن أي اختراق. وعلمت «الحياة» أن القرار ظل مثار جدل داخل أروقة الحكم، لأن الأردن رئيس القمة العربية في دورتها الحالية، ما يتطلب منه أن يظل على مسافة تمكنه من التوسط..