تسابق الحكومة الأردنية الريح من اجل وقف دعوات شعبية أطلقت على صفحات الموقع الاجتماعي «فيسبوك» طلباً لمشاركة المواطنين في مسيرة «الغضب الأردني» يوم الجمعة المقبل احتجاجاً على «الغلاء والبطالة وسياسات الحكومة». وأمر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ليل الاثنين الثلثاء حكومته ب»اتخاذ إجراءات عاجلة للتخفيف من آثار الأوضاع الاقتصادية الصعبة وإعادة ترتيب الأولويات»، فيما كلفت الحكومة وزير الصناعة والتجارة لقاء كبار التجار والمستوردين لإبلاغهم «بإجراءات حكومية حازمة للحد من ارتفاع الأسعار «. لكن التجار أوضحوا للوزير أن مشكلة ارتفاع الأسعار لم تبدأ من طرفهم، بل أسهمت فيها جملة ظروف اولها رفع الحكومة أسعار المشتقات البترولية تسع مرات العام الماضي. النشطاء على «فيسبوك» وحّدوا صورهم الشخصية بصورة ل»بوستر» الحملة تحت عنوان «يوم الغضب الأردني» الذي وضع على خلفية قبضة يد والعلم الأردني. ودعا النشطاء المواطنين للمشاركة بالمسيرات بعد صلاة يوم الجمعة في كل المدن، وحددوا أماكن الانطلاق في المدن الكبرى بالمساجد الرئيسية، مع فيديو توضيحي لطبيعة النشاطات وأماكنها. وتحاول الحكومة الأردنية احتواء دعوات الاحتجاج في ظل الأجواء الشعبية المتوترة في المنطقة العربية، خصوصاً بعد أحداث تونس والجزائر، وعجز الدول العربية في التعامل الجدي مع انسداد افق المفاوضات السلمية بعد رفض رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو دعوات تجميد الاستيطان والعودة إلى المفاوضات المباشرة وانحياز الموقف الأميركي إلى جانب إسرائيل. وفي المقابل أصدرت الأحزاب السياسية، خصوصاً المعارضة، بيانات حول ارتفاع الأسعار لكنها لا تزال صامتة عن تأييد دعوات الاحتجاج علناً، فيما بدأت بعض الهيئات الشعبية تهاجم فكرة الاحتجاج وتدعو إلى وقفها وعدم المشاركة فيها. وأصدر «ملتقى نشامى البادية» امس بياناً طالب فيه بوقف دعوات الاحتجاج «غير المفيد» والعمل مع الحكومة من اجل تحسين أوضاع الناس. وعقد رئيس الوزراء سمير الرفاعي اجتماعاً مفاجئاً مساء امس مع رئيس البرلمان فيصل الفايز ورؤساء اللجان والكتل النيابية وأبلغهم بقرار الحكومة خفض أسعار السولار والبنزين بنسبة 6 في المئة، وكذلك خفض أسعار بعض السلع في محاولة لامتصاص حال الغضب الشعبي وإجهاض المسيرات الشعبية المتوقعة الجمعة. وقال الرفاعي أن الحكومة ستعمل على ضخ مبلغ 20 مليون دينار في المؤسستين الاستهلاكيتين العسكرية والمدنية للمحافظة على أسعار المواد والسلع الأساسية، إضافة إلى نية الحكومة دعم مناطق «جيوب الفقر» بمبلغ 20 مليون دينار. وتعهد الرفاعي بفتح باب التوظيف في المناطق الفقيرة عبر وزارات الصحة والتربية والتنمية الاجتماعية، إضافة إلى فتح باب التجنيد في الأمن العام والدرك والدفاع المدني للمساهمة في الحد من البطالة. وفي اتصال مع «الحياة» اعتبر منسق «اللجان الشبابية - لجنة لواء ذيبان» محمد السنيد أن قرارات الحكومة «جاءت متأخرة. ونحن مصرون على الانطلاق في المسيرات كما هو مخطط لها الجمعة إلى أن نرى الإجراءات الحكومية واقعاً». و طالب المراقب العام لجماعة «الإخوان المسلمين» همام سعيد الحكومة بالتصدي لحال انفلات الأسعار «التي بلغت مستويات مهددة للأمن المجتمعي». ودعا الحكومة في بيان نشر على موقع «الجماعة» أمس إلى تفكيك حال الاحتقان الشعبي من خلال اتخاذ خطوات «إصلاحية جادة»، مشيراً إلى أن «الضغط المستمر على المواطنين من شأنه أن «يولد انفجاراً لا تحمد عقباه». وكانت دائرة الإفتاء العام أصدرت بياناً حول ظاهرة العنف في المجتمع حرمت فيه «الاعتداء على مال الغير والممتلكات العامة « واعتبرته من الإثم والكبائر. وكان نائب رئيس الوزراء الناطق باسم الحكومة ايمن الصفدي ووزيرا الصناعة والمال عقدوا امس مؤتمراً صحافياً أوضحوا فيه الإجراءات الحكومية للتخفيف على المواطنين. وكانت هيئة تنظيم قطاع النقل قد سحبت خبراً ارسل إلى وسائل الإعلام الاثنين اكد نية الهيئة رفع أجور النقل العام وسيارات الأجرة بنسبة 16 في المئة نتيجة رفع أسعار المشتقات النفطية. ويبدو أن الهيئة اضطرت إلى سحب خبرها بعد تدخل الملك وتوجيهاته للحكومة. وكذلك أعلنت المؤسستان الاستهلاكيتان المدنية والعسكرية «تجميد الأسعار والالتزام بعدم رفعها وبخاصة المواد الغذائية مثل السكر والرز» . وشهد يوم الجمعة الماضي مسيرة احتجاج شعبية سلمية في مدينة ذيبان (60 كلم جنوب عمان) ضد غلاء الأسعار، رفع خلالها المشاركون شعارات طالبت باستقالة الحكومة. وتتخذ السلطات الأمنية إجراءات لمنع خروج المسيرات لمخالفتها قانون الاجتماعات العامة الذي يوجب أخذ ترخيص من الحاكم الإداري قبل 48 ساعة من أي نشاط. وتتخوف السلطات من اشتداد رقعة الاحتجاجات الشعبية وتفاقمها كما حدث في عام 1989 التي فتحت الآفاق لعودة الحياة البرلمانية والحزبية في البلاد. لكن خبراء قللوا من قدرة الدعوات عبر صفحات «فيسبوك» على حشد الجماهير للتظاهر في الشارع إذا لم تتدخل الأحزاب السياسية خصوصاً «الإخوان المسلمون» الأمر الذي قد يجعل الاحتجاجات تبقى في إطار محدود.