هدوء تام يسود أجواء المكان، بلا حركة أو كلام. نظرات تترقب فقط وتقارن ما بين ملامح الوجه ولوحة بيضاء. ينتظر الزبون بشغف ما ستكون عليه ملامحه من وجهة نظر الرسام الأردني علي عمرو الذي لا يكتفي بنقل الملامح الظاهرة طبق الأصل فحسب، بل ينقل أيضاً ما يراه في شخصيته وما يخفيه من صفات وحالة نفسية داخلية يعيشها المرسوم. نصف ساعة من الثبات والهدوء، مع توجيهات قليلة، وستكون لوحة آية السيد التي زارت مرسم علي جاهزة. عليها التسمر في كرسيها ليبدأ الفنان عمله. تتلهف آيه لرؤية وجهها بعين الرسّام. ففي كل مرة كانت تتململ، كانت تأتيها الكلمات من خلف اللوحة تواجهها كلمة «اثبتي»، وما أن ينفض يده عن آخر الخطوط والألوان معلناً نهاية اللوحة، حتى تهم الفتاة لمشاهدة تفاصيل لربما تكتشفها في نفسها للمرة الأولى. هذه التفاصيل يقول عنها الرسّام علي عمرو إنها تلك التي يلتقطها من وجه الإنسان الجالس أمامه وشخصيته. فالصفات، والحالة النفسية وغيرها من المكنونات الداخلية تحضر في ريشته. ويقول رسام البورتريه عمرو، إن تركيزه خلال الرسم يكون على الشخص الجالس أمامه لا على اللوحة نفسها حتى يساعده على رسم الخطوط الرئيسة للوجه ومن ثم مرحلة التظليل التي تساعد في إظهار ما يريد إظهاره، فيما تكون مرحلة المقارنة ما بين الرسم والمرسوم حاضرة إلى أن تنتهي اللوحة. انتقل عمرو من رسم الشخصيات العادية إلى نحت وجوه لشخصيات عربية تاريخية منها ابن الهيثم وغيره من علماء العرب في آخر معرض له بالتعاون مع إحدى المؤسسات التعليمية والثقافية، مستوحياً ملامح الشخصيات التاريخية القديمة من خياله. ويشرح أن الشخصيات التاريخية التي رسمها باستخدام برامج رقمية معاصرة بحكم السرعة والإنجاز، احتاجت في البداية إلى توظيف الخيال بحيث تكون الصورة تحمل صفات الشخصية بطريقة محببة للعين، موضحاً أن الشخصية لا تحمل عادة هوية معينة حتى تكون عالمية وقريبة من كل الناس. ويلفت إلى أن هذه النوع من الرسم كان محبباً من الصغار الذين لديهم شغف بمعرفة الشخصيات التي يدرسونها في المناهج التدريسية. وبعيداً من الشخصيات التاريخية، اعتاد عمرو رسم كل ما هو مرتبط بالمرأة والموسيقى بحيث تركز كل لوحاته على انسيابية قوام المرأة حين ترقص على نغمات الموسيقى خصوصاً على الإيقاعات الأندلسية. واتجه عمرو منذ بدايته قبل 15 سنة إلى رسم الطبيعة الصامتة والكاريكاتور الفكاهي، ولكن بعد التحاقه بمعهد الفنون في أوكرانيا انصقلت موهبته وبات أكثر جدية في ما يقدمه. ويلجأ أحياناً إلى الابتعاد قليلاً عن تخصص البورتريه، متجهاً إلى رسم كل ما يثير غضبه من ممارسات وقضايا اجتماعية، من ضمنها الفقر وعدم تقبل الرأي الآخر، اضافة إلى النظرة الدونية إلى الفن، والرسم خصوصاً.