نشرت صحيفة «المدينة» الثلثاء الماضي خبر التحقيق مع تربوي، بسبب سؤاله الطلاب في مركز الموهوبين عن كيفية صعود النخلة! وعندما لم يعرف معظمهم الإجابة علق ساخراً: «هل هؤلاء موهوبون؟»، هل الغريب أن التربوي يسأل عن النخل في بلاد الرمان والعنب، أم أن الغريب أنه صلف مع البراعم، أو لعل الغرابة في عدم معرفة الطلاب لصعود النخلة؟ حسناً لنجول في أبعاد «التهزيئة»، ولنعترف بأن جزءاً من ثقافتنا هو رغبتنا في أن يعرف الناشئة كثيراً من «علوم الرجاجيل»، فعندما يصل الطفل لسن المراهقة، وهو لا يعرف كيف يصب القهوة بالطريقة التي يحبذها والده، أو لا يعرف كيف يقود السيارة، أو كيف ينصب الخيمة، و«يقلط» الضيوف، عندما لا يعرف مثل هذه الأمور، أو لا يتقنها كما يريد الآباء والأجداد، فهو في عرف الكثيرين «زي قلته»، حتى لو كان نابغة في الرياضيات، أو عبقرياً في الإلكترونيات. أتدرون أتوقع أن الرجل نفسه يعرف نظرياً فقط كيف يصعد لأعلى نخلة، وأكاد أجزم بأنه عملياً لن يملك الجرأة للوصول إلى منتصفها، ومثله كثيرون ممن يطلبون من أبنائهم أن يكونوا فرساناً مغاوير، وهم لا يستطيعون ركوب الجحش. وبالتمعن في هذه الحال لا نستغرب أن يكون مفهوم الرجولة لدى الكثيرين مرتبطاً بإجادتهم، أو ادعاء إجادتهم للأشياء التي ذكرت وغيرها، وليس مهماً أن يكون ذا موقف، أو ملتزماً بكلمته، أو محترماً عطوفاً لزوجته أو أخته، أو دقيقاً في عمله، أميناً في إنجاز مهماته، صادقاً في بيعه وشرائه، وفياً لعهوده، وأخشى أن تكون هذه من أسباب التدهور في معاني وتطبيقات الرجولة الحقيقية. أكاد أجزم بأن كثيراً من الفتيان وربما الشباب لو خيروا بين امتلاك موهبة علمية أو فنية، وبين إجادة ما يجعل جده راضياً عنه، لاختار الأخيرة، والمضحك المبكي أن الآباء لو سألتهم فهم يتمنون الحسنيين، مضافاً عليها التزام ديني، وحبذا بعض المهارات الكروية، وإجادة ذبح الخروف وسلخه، وليته «بالمرة» يفهم قليلاً في السيارات، وصيانة المنزل الخفيفة. يقول الخليفة الراشد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: «لا تربوا أبناءكم ليكونوا مثلكم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم»، تخيل رضي الله عنك أنهم يريدونهم مثل أجدادهم، لأن كثيراً من الآباء «ما يسرح بثنتين من الغنم» أصلاً. [email protected]