كرّم المهرجان الدولي للموسيقى الأندلسية في المنستير (الساحل الشرقي لتونس) شيخ المالوف الجزائري الحاج محمد الطاهر الفرقاني، الذي رحل العام الماضي بعد مسيرة فنية زاخرة تواصلت لأكثر من نصف قرن مثّل فيها مدرسة في فن المالوف القسنطيني لم يضاهيه فيها أحد بعده. وكان المنظّمون اختاروا تكريم أحد أبرز المبدعين في هذا الشكل الموسيقي التقليدي الذي ينتشر في غالبية بلدان المغرب العربي، معتبرين أن الاحتفاء بشخصية فنيّة في قيمة الحاج الفرقاني يُعدّ أبسط اعتراف بكفاءة الرجل وقيمته الثابتة في تاريخ المالوف، ليس في قسنطينةوالجزائر فحسب، بل وعلى المستوى العربي. ويعد الراحل معلّماً في فنّ المالوف، بفضل أدائه اللافت، وتميزه في أداء أغانيه، فضلاً عن أدائه الأغاني التقليدية بطريقة متّزنة، كما أنّه معروف بعبقريته الفريدة في الارتجال وثراء أسلوبه، وإبداعه في العزف على آلة الكمان، مما نصّبه مدرسة في فن المالوف لأكثر من نصف قرن. وكان افتتاح المهرجان بإمضاء «الجَوْق المغاربي» الذي قدّم عرضاً في «قصر المرمرة» في متحف الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الذي قرر المنظّمون أن يحتضن كل عروض التظاهرة في إطار تنشيطه وبثّ الحياة فيه من خلال النشاطات الثقافية والفنيّة المتنوعة، كما أكد مهدي معط الله المندوب الجهوي للشؤون الثقافية في المنستير. وقال معط الله أنّ اختيار هذا الفضاء لتقديم عروض المهرجان يعود الى أسباب كثيرة أهمّها جماله وأناقته ورمزيّته أيضاً، إذ كان المقرّ الصيفي للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة وكانت تقام فيه الحفلات والعروض الفنية بشكل متواصل. أمسية موسيقية ومعرض وكان وزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين أشرف على افتتاح التظاهرة التي نظمتها «جمعية الشباب للموسيقى العربية» بشراكة ودعم من المندوبية الجهوية للثقافة. وافتتح الوزير معرضاً حول مسيرة الجمعية التي تمتدّ لأكثر من 40 سنة، ومن ثم عرضاً موسيقياً مشتركاً بين «جمعية هواة الموسيقى الأندلسية» في المغرب و «دار الغرناطية» في الجزائر و «جمعية الشباب للموسيقى العربية» في المنستير بمشاركة الفنانين ابراهيم الشريف وزاني من المغرب ومحمد الشريف سعودي من الجزائر ومحمود فريح من تونس. كما قُدم عرض موسيقي لمجموعة «دار الآلة» لجمعية هوّاة الموسيقى الأندلسية في المغرب بقيادة الفنان ابراهيم شريف وزّاني ومشاركة منشد الشارقة فضيل شعيب، فضلاً عن عرض موسيقى بعنوان «نفحات أندلسية» بقيادة الفنانة نرجس ساسي. كما شهد المهرجان عرضاً لفرقة الشباب بقيادة الفنان الصحبي فريح، وكان عرض الختام ل «جمعية دار الغرناطية» بقيادة الفنان محمد الشريف سعودي ومشاركة الفنانة الجزائرية نوال أيلول، وتكريم الفرقاني بحضور الفنان مراد الفرقاني. والمالوف هو أحد أنواع الموسيقى المنتشرة في المغرب العربي، خصوصاً الجزائروتونس وليبيا، وأصل الكلمة هو «مألوف» بتخفيف الهمزة، وهو مصطلح يطلق على الموسيقى الكلاسيكية في بلدان المغرب العربي بقسميه الدنيوي والديني المتصل بالمدائح والأناشيد. مشاهير المالوف وهو مورث غنائي بنصوصه الأدبية، وأوزانه الإيقاعية، ومقاماته الموسيقية ورثته بلدان شمال أفريقيا عن الأندلس وطورته وهذّبته، وتتكون مادته النظمية من الشعر والموشحات والأزجال... مع ما أضيف لها من إضافات لحنية أو نظمية محلية جمعت بينها دائرة النغم والإيقاع، وما استعاره الفنّانون من نصوص وألحان مشرقية، وتعتبر النوبة أهم قوالب المالوف. واشتهر كثيرون في هذا الفنّ مثل الطاهر غرسة في تونس ومحمد الطاهر الفرقاني في الجزائر وحسن العريبي في ليبيا، وهؤلاء يمثّلون مدارس في الحفظ والأداء والإضافة أيضاً. ويعتبر المختصّون أنّ المالوف التونسي هو خلاصة الموروث الحضاري الخاص بالمنطقة مع الإضافات والرّوافد الأندلسية والمشرقية، ويحتلّ صدارة التقاليد الموسيقية التونسية، بل ويعدّ وفق البعض أصدق تعبير عن أصالة هذه التقاليد. ويشمل المالوف سائر أنواع الغناء التقليدي والمتقن كالموشح، وهو نمط شعري في أوزان وقوالب مجدَّدة بالنسبة الى القوالب وبحور العروض التي ضبطها الخليل ابن أحمد في القرن الثامن ميلادي. وتُعتبر النوبة أهم قالب في الموسيقى التقليدية لأقطار المغرب العربي، وكانت هذه الكلمة تعني في الأصل «الدورة المعيّنة» بحيث تقول «جاءت نوبتك» لمن جاء دوره في الغناء.