قبل أربعة أيام فقط من استفتاء تقرير مصير جنوب السودان المقرر يوم الأحد، والذي صدرت «فتوى» عن علماء من دول إسلامية عدة تُحرّم «التصويت لمصلحة الإنفصال» فيه، صدرت إشارات أميركية واضحة إلى أن موقف الرئيس عمر البشير الواضح في شأن احترام نتيجة الاستفتاء، حتى ولو أدى إلى انفصال الجنوب وتكوينه دولة جديدة، سيمهد لعلاقات قوية بين الخرطوم وإدارة الرئيس باراك أوباما. ولمّح السيناتور الديموقراطي البارز جون كيري الذي يزور الخرطوم حالياً، إلى أن الولاياتالمتحدة قد تلجأ إلى شطب إسم السودان من لائحتها للدول الراعية الإرهاب، مع إبقاء العقوبات المفروضة عليه بسبب أزمة دارفور. وأجرى كيري محادثات في العاصمة السودانية مع كبار المسؤولين ركّزت على ترتيبات استفتاء تقرير مصير الجنوب الذي تشير التوقعات إلى أنه سيقرر الإنفصال وتكوين دولة جديدة. ووصف كيري، خلال مؤتمر صحافي، تصريحات الرئيس البشير حول الاستفتاء، خلال زيارته جوبا الثلثاء، بأنها «مشجعة للغاية» و «أعتقد أنها خطوة جيّدة تمهد للاستفتاء المقرر بعد أيام». وأشار إلى أن واشنطن قد ترفع اسم السودان من لائحتها للدول الراعية للإرهاب في حال تم الاستفتاء كما هو مقرر له. وقبل أيام من الاستفتاء، أكد شريكا الحكم في البلاد، «الحركة الشعبية لتحرير السودان» وحزب «المؤتمر الوطني»، أهمية وجود كل منهما في الشمال والجنوب إذا أدى الاستفتاء إلى انفصال الجنوب، وذلك للتغلب على التحديات التي سيفرزها الانفصال الوشيك على الأحزاب بسبب التداخل الحزبي بين شطري البلاد. وقالت «الحركة الشعبية» إنها «ستظل باقية في الشمال بمبادئها مناضلة من أجل فكرة السودان الجديد الذي قامت على أساسه مع أبناء الشمال»، في حين أكد حزب «المؤتمر الوطني» أن وجوده سيكون أكثر قوة في الجنوب بعد الانفصال، وسيعمل على «تنفيذ برنامج سياسي وفق مبادئ راسخة تخاطب صميم المشكلات الأساسية للجنوبيين». لكن حزب «المؤتمر الشعبي» المعارض أقام، من جهته، حفلة وداع لأعضائه من الجنوب على هامش اجتماع مكتبه القيادي، في ما يشبه تسليمه بالانفصال باكراً، وقد ترك لأعضائه الجنوبيين حرية تقرير في ما يتصل بنشاطهم في الجنوب، بحسب ما تقتضيه القواعد القانونية والسياسية في دولتهم المرتقبة. وفي الدوحة، أُعلن صدور «فتوى» عن علماء وشخصيات بارزة من مختلف دول العالم الإسلامي حرّمت التصويت لمصلحة انفصال جنوب السودان في استفتاء الأحد. ورأى موقعو البيان «الفتوى» أن قضية جنوب السودان ليست مسألة حرب أهلية ولكنها «مؤامرة عالمية» تغذّيها جهات كثيرة إقليمية ودولية وفي مقدمها «الصهيونية والصليبية العالمية» ولا تستهدف السودان وحده باعتبار جنوب السودان «بوابة الإسلام والعروبة إلى افريقيا». في غضون ذلك، اتهمت «حركة العدل والمساواة»، أكبر حركات التمرد في دارفور، الخرطوم باستغلال استفتاء جنوب السودان لتصفية قضية دارفور عسكرياً، وهددت في بيان بتوجيه «ضربات» عسكرية بالاشتراك مع حلفائها ضد الحكومة السودانية. وقالت «إنه ليس أمام النظام وقت طويل، فإما أن يصل إلى سلام شامل وعادل وإما أنه سينهار تحت وقع ضربات الحركة وحلفائها». وفي جوبا، أبرم «الجيش الشعبي لتحرير السودان» اتفاقاً لوقف النار مع الجنرال جورج اطور الذي يقود تمرداً هو الأكبر ضد حكومة الإقليم، في إطار تحركاتها لتهيئة الأوضاع لاستفتاء تقرير المصير المقرر الأحد المقبل. ووقع ممثلا الجانبين الاتفاق، بحضور نائب رئيس حكومة الجنوب رياك مشار وعدد من قادة «الجيش الشعبي» وممثلين عن بعثة الأممالمتحدة في السودان التي توسطت في الاتفاق مع الكنيسة الكاثوليكية التي كان حضور رجالها لافتاً في الاجتماع. وينص الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ فور توقيعه على وقف النار في ولايات جونقلي وأعالي النيل والوحدة، وإنهاء الأعمال العدائية ومنع حركة القوات في هذه المناطق. وحدد إطاراً لفض الاشتباك يتضمن لجاناً للتنسيق وفض الاشتباك خلال خمسة أيام من توقيع الاتفاق ومراقبة وقف النار وحل المشاكل التي يمكن أن تحدث بينهما. واتفق الجانبان على عدم تدريب أو تسليح أو استضافة أي مجموعات مسلحة، وتبادل إطلاق سراح الأسرى، والسماح بحركة المدنيين والمساعدات الإنسانية والبضائع ووقف الدعاية ضد بعضهما البعض داخل الجنوب وخارجه. وكان أطور شن تمرداً ضد حكومة الجنوب بعد سقوطه في انتخابات حاكم ولاية جونقلي التي يتحدر منها في نيسان (أبريل) الماضي، ووقع اتفاقاً سابقاً لوقف النار مع «الجيش الشعبي»، لكنه عاد واستأنف هجماته التي كان آخرها الشهر الماضي. وأكد ممثل أطور الجنرال ابراهام شول في كلمة بعد توقيعه الاتفاق مع مسؤول شؤون السلام في «الجيش الشعبي» الجنرال مايكل ماجور، «التزام السلام وتجاوز الخلافات التي نشبت بعد الانتخابات الماضية». ونوّه برئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت «رئيس دولة جنوب السودان قريباً... لعفوه عن الجنرال أطور وجنوده ومساعيه للعمل على توحيد الاحزاب الجنوبية». وأضاف: «لا مجال لإثارة النعرات القبلية بعد اليوم. ويجب أن نكون على قدر المسؤولية لحكم أنفسنا». واعتبر ممثل الأممالمتحدة ديفيد غريسلي الاتفاق «خطوة باتجاه المصالحة... جاءت نتيجة عمل دؤوب استمر لفترة طويلة».