تكاد تكون التلفزيونات اللبنانية أكثر التلفزيونات في المنطقة وربما في العالم، تورطاً في صناعة احتفالات رأس السنة. ذلك أن هذه المحطات، لا تكتفي كسواها من المحطات ببث بعض الاحتفالات لحظة حصولها في دول يحل فيها منتصف الليل قبل سواها لتبهج المشاهدين برؤية الألعاب النارية التي تضيء السماء، بل تسعى المحطات اللبنانية إلى الغوص أكثر من ذلك خلال الليلة. فتجعل منها حدثاً مفتوحاً وغالباً ليس وقت حدوثه وفي ليلته، بل قبل ذلك بأيام بالترويج لنفسها ولبرامجها وضيوفها وبخاصة المنجمين ليقرأوا للمشاهدين، ليس اللبنانيين فحسب بل العرب والعجم أيضاً، طالع بلادهم ومستقبلها، ناهيك بالاحتفالات الاعلانية لسهرات في مطاعم وفنادق لا يستطيع أن يقرب منها إلا من نال نصيباً من مال قارون. وإذا كان في هذا الأمر - أي السهر والبذخ - منفعة اقتصادية لأصحاب المؤسسات والتلفزيونات وبعض العمال والموظفين، وأن الاعلانات لا تحض غير القادر على السهر بل تقدم خيارات للموسرين، فإن المشاهد غير المقتدر لا يجد أمامه سوى هذا الجهاز الساحر ملجأ ليظفر في هذه الليلة بشيء جديد يستمتع بمشاهدته ويخرجه ولو قليلاً من أجواء البؤس التي يعيش فيها. ويجد هذا المشاهد نفسه متسائلاً: لماذا يحتفل الناس بتلك الليلة، هل توديعاً لعام مضى أم استبشاراً بعام مقبل؟ فإذا كانت الإجابة الاحتمال الأول فإنه لا يرى شيئاً يدعو إلى الاحتفال برحيل عام مملوء بالمصائب في بلده كما في منطقته، وإن كانت الاجابة الاحتمال الثاني فلماذا تصر التلفزيونات على استضافة قارئي الطالع لينكّدوا على مصدّقي أقوالهم، وهم كثيرون كثيرون، عامهم حتى قبل حلوله؟ وهل يمكن ان يتماشى استقبال عام جديد باحتفال وفرح على أمل أن تكون كل أيامه على هذه الشاكلة، مع كل هذا الكلام عن الخراب والتوقعات السوداوية؟ والغريب أن التلفزيونات إياها تسعى قبل أن «تسوّد» ليل المشاهدين، إلى تكريس صدق توقعات ضيوفها بإعداد تقارير تسقط توقعاتهم في العام الماضي على أحداث وقعت خلاله هنا وهناك، ثم تهطل زخات التنبؤات التلفزيونية لتتلقفها الألسنة وتروح تلوكها حتى تغدو حقائق واقعة في هذه التلفزيونات أولاً ثم أذهان المشاهدين. ولا تكاد تمضي دقائق حتى يفرغ الضيف من أخبار الخراب المفترض مع تمنياته بالخير وتهانيه للمشاهدين، حتى تتبدل لهجة مقدم البرنامج ويبدأ الغناء والرقص طرباً ... وكل عام وانتم بخير!