حل عام 2011 بعد عام صعب في الحياة الاقتصادية على المستوى العالمي. وعلى رغم البرامج الإصلاحية والأنظمة التصحيحية وعمليات التعويم التي اتُّبعت في العديد من بلدان العالم، خصوصاً البلدان الصناعية المتقدمة، لا تزال المشاكل الهيكلية والأساسية تواجه مختلف الاقتصادات في هذا العالم، فكيف يمكن إذاً أن نقرأ تطورات الاقتصاد العالمي خلال العام الجديد؟ ثمة اقتصاديون ورجال أعمال يتوقعون أن يشهد هذا العام انتعاشاً معقولاً بما يمكّن من مواجهة نتائج الأزمة المالية العالمية التي عصفت بمختلف البلدان، ومنذ الربع الأخير من عام 2008. ويرجحون أن ينمو الاقتصاد العالمي بحدود اثنين إلى ثلاثة في المئة، وهناك توقعات أكثر تفاؤلاً اعتمدها صندوق النقد الدولي تشير إلى احتمال أن يتجاوز معدل النمو مستوى أربعة في المئة. ويرى الصندوق إن إمكانيات حدوث الركود في الاقتصاد العالمي باتت شبه معدومة. وقدّر اقتصاديون الخسائر الناتجة من الأزمة المالية العالمية بحدود 2.3 تريليون دولار، ويرون أن هذه الخسائر أقل من التوقعات السابقة بأكثر من 500 بليون دولار نتيجة لفاعلية برامج الإنقاذ والتعويم التي اعتمدتها الولاياتالمتحدة وعدد من بلدان الاتحاد الأوروبي. كذلك عزز استمرار النمو القوي في آسيا، خصوصاً الصين والهند، إمكانيات الانتعاش الاقتصادي العالمي وتجاوز معضلات الأزمة. وتشير بيانات إلى أن معدل النمو في الدول الآسيوية عام 2010 بلغ 8.7 في المئة. واقترب معدل النمو في الصين من 10 في المئة، وربما يصل إلى 9.9 في المئة العام الجاري. ونظراً إلى النمو السريع والمستمر في الاقتصادات الآسيوية، يظل الطلب على النفط قوياً، وبعدما بلغ متوسط سعر البرميل خلال كانون الأول (ديسمبر) الماضي 90 دولاراً، أو أكثر بقليل، تظل إمكانيات تحسن سعر النفط محتملة ما لم يحدث تطور غير منظور في سوق النفط. وتحاول الولاياتالمتحدة وعدد من البلدان المستهلكة الرئيسة إقناع البلدان المنتجة، خصوصاً تلك المنضوية تحت لواء «أوبك»، لاتخاذ قرارات بزيادة الإنتاج، أو العودة إلى مستويات الإنتاج قبل قرارات الخفض بعد أيلول (سبتمبر) 2008. ولا يبدو أن بلدان «أوبك» توصلت إلى قناعات بضرورة زيادة الإنتاج، إذ إنها ترى أن الأسعار الحالية للنفط عادلة ومتوازنة، خصوصاً أن الاقتصاد العالمي لا يواجه حالياً موجة من التضخم، بل على العكس من ذلك، هناك بلدان تعاني من انكماش في أسعار السلع والخدمات، مثل اليابان وعدد من البلدان الأوروبية، بفعل تراجع مستويات الاستهلاك السلعي فيها. وعند اعتماد استشراف استراتيجي للطلب على النفط، تشير توقعات الشركات النفطية الرئيسة، مثل شركة النفط البريطانية «بي بي»، إلى أن الطلب سيظل مستقراً وربما لن ينمو، بل ربما يتراجع، في البلدان الصناعية أو الدول الأعضاء في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» لأسباب عديدة تتعلق بالسياسات البيئية والترشيد والعوامل الديموغرافية. لكن الدراسات ذاتها تؤكد ارتفاع معدلات النمو على الطلب في بلدان أخرى، خصوصاً البلدان الآسيوية، وأهمها الصين والهند وكوريا الجنوبية. ومهما يكن من أمر، تؤكد المؤشرات أن بلدان «أوبك»، خصوصاً بلدان الخليج العربية المنتجة للنفط، ستنعم عام 2011 بإيرادات نفطية مؤاتية تمكنها من مواجهة التزامات الإنفاق الجاري والاستثماري. بلغ النمو الاقتصادي في أكبر اقتصاد وطني، وهو اقتصاد الولاياتالمتحدة، 3.1 في المئة عام 2010، ويُقدَّر أن يبلغ 2.6 في المئة هذا العام. كذلك سجل في اليابان 1.9 في المئة العام الماضي ويُرجَّح أن يصل إلى 2.0 في المئة العام الحالي. أما في دول الاتحاد الأوروبي، فكان معدل النمو 1.0 في المئة العام الماضي ولن يتحسن كثيراً هذا العام. ومهما يكن من أمر، تظل هذه المعدلات مقبولة بعد أزمة مالية طاحنة وبعد المشاكل التي واجهتها العديد من بلدان الاتحاد الأوروبي والمتمثلة بالديون الحكومية التي تجاوزت مستويات قياسية نتيجة لعدم الالتزام بمعايير منطقة اليورو. وغني عن البيان أن الإجراءات التي اتُّخذت من أجل تعويم اقتصادات البلدان الصناعية والتي اعتمدتها الحكومات مثل برامج الإنقاذ ودعم المصارف والمؤسسات المالية وعمليات الإصلاح المالي ستكون لها نتائج متفاوتة خلال السنوات المقبلة، إلا أن التأثيرات ستكون بطيئة وغير واضحة في الأجل القريب. هناك مشكلة البطالة التي ارتفعت معدلاتها في الولاياتالمتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي وحتى اليابان، وهي مشكلة اجتماعية وسياسية تتطلب معالجات مهمة من الحكومات، إلا أنها ستكون مكلفة، ولذلك ستتناقض برامج التقشف التي اعتُمدت في عدد من بلدان الاتحاد الأوروبي، مع متطلبات إيجاد فرص عمل، بل ربما تزيد من أعداد العاطلين عن العمل في الأجل القريب نتيجة لعمليات الاستغناء عن العديد من الوظائف في القطاع العام. كما أن مؤسسات القطاع الخاص والتي تعاني من تراجع الطلب الاستهلاكي، لن تكون أكثر قدرة على إيجاد الوظائف. ولا شك في أن معدلات البطالة الحالية في عدد من البلدان الرئيسة في أوروبا، مثل إسبانيا، والتي تصل إلى 20 في المئة، ستكون لها انعكاسات سلبية على المسيرة السياسية في البلاد، وتحد من القدرة على إنجاز إصلاحات مالية ضرورية. تفرض أوضاع الاقتصاد العالمي واحتمالات تطور الأوضاع عام 2011 على البلدان العربية، وهي بلدان متلقية وغير فاعلة كثيراً على المسرح الاقتصادي، أن تواجه المعضلات الهيكلية في اقتصاداتها. ستظل هذه البلدان تعتمد على إيرادات سيادية تؤدي إلى انكشافها على الخارج، خصوصاً ما يحدث في البلدان الصناعية الرئيسة. وقد تنعم البلدان العربية المصدرة للنفط بإيرادات جيدة العام الجاري، لكن ذلك سيعطل من حماستها لإجراء عمليات إصلاحية تؤدي إلى تحديث البنية الهيكلية لاقتصاداتها وتعزيز قدرتها على تنويع القاعدة الاقتصادية. ولا تزال هذه البلدان الخليجية وغيرها من بلدان عربية نفطية تعتمد على دور مهيمن للقطاع العام وتزيد من آليات الإنفاق العام على حساب دور القطاع الخاص، ما يعطل الاستفادة من الموارد الوطنية العديدة. وهناك أهمية لوضع تصورات لسوق العمل في مختلف البلدان العربية، إذ إن التدفق من الشباب سنوياً إلى سوق العمل يمثل تحدياً هاماً للإدارات الاقتصادية، سواء في البلدان الخليجية أو غيرها من بلدان عربية. وتعاني بلدان الخليج العربي من الاعتماد على اليد العاملة الوافدة ولم تتمكن من توظيف العمال المحليين على أسس منهجية بما يعزز دورها في عملية التنمية الاقتصادية، أما البلدان الأخرى، فإنها تواجه تنامي البطالة بين الشباب، والمتعلمين منهم، ما يؤدي إلى احتقانات سياسية. يجب إذاً أن تعزز توقعات أداء الاقتصاد العالمي قدرة الإدارات الاقتصادية العربية على تحديد مسارات الإصلاح والإنعاش في بلداننا. * كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية - الكويت