وجد «منجمو» لبنان هذه السنة مادّة «دسمة» في قضية المحكمة الدولية و «القرار الظني» المزمع صدوره فراحوا يخمّنون ويتوهّمون ويتوقعون مستبقين النتائج التي قد يؤول اليها صدور هذا القرار. بعضهم تشاءم كثيراً وبعضهم أقلّ، لكنهم أجمعوا جميعاً على أن لبنان سينهض من «الكبوة» العابرة التي سيقع فيها. لبنان قويّ في نظرهم ومتماسك وصلب وقادر على مواجهة «العاصفة» التي ستهبّ وسينتصر عليها. سينتصر إذاً لبنان ولكن بعد المأساة التي سيجتازها، بحسب ما أجمع هؤلاء «المنجمون» الذين احتلوا الشاشات الأرضية والفضائية خلال الأيام الأخيرة من العام الذي انصرم للتو. ولكن ما من منجم استطاع ان يستنطق الأفلاك والكواكب والنجوم عن الفترة الزمنية التي ستستغرقها هذه المأساة، مأساة ما بعد القرار الظني، ولا عن حجمها. المهم ان «الغيب» أعلمهم بما سيحصل بُعيد صدور هذا «القرار» وبأن لبنان سينهض على عادته بعد كل عاصفة تهبّ عليه. غير أن معظم هؤلاء المنجمين أضحوا أقرب الى المحللين السياسيين الذين تستضيفهم الشاشات باستمرار لتملأ فراغها، وأمعن أحدهم في التحليل السياسي حتى كاد ينسى أنه «منجم» لو لم يذكره الإعلامي الذي يستضيفه، وراح يدلي بآرائه في المسائل الراهنة والأزمة الحكومية والانقسام حول المحكمة... وظن المشاهدون - وأنا منهم - أن الأفلاك والأبراج باتت تتدخل في تفاصيل السياسة اللبنانية ودقائقها. وبدا معظم هؤلاء «المنجمين» منحازين الى الجهات التي تملك الشاشات التي يطلون منها على الجمهور الذي ينتظرهم بحرارة، وشرع الواحد منهم يحيط الزعيم الذي يحبه أو يميل اليه بهالة من التفاؤل والأمل مؤكداً قدرته على اجتياز المحن وتحقيق النجاح، ومعلناً أن الأبراج لن تتخلى عنه بل ستظل الى جانبه. كان المشاهد كلما قلّب المحطات يحظى بمنجم هنا ومنجمة هناك وهنالك، والملاحظ أن أعدادهم ازدادت في نهاية العام الماضي عما كانت عليه العام السابق. والسبب الأول هو القرار الظني المنتظر الذي بدا فرصة سانحة للتخمين والتنجيم... فأيّ توقع لما سيحدث بعد صدوره يمكن أن يكون صائباً وإن عشرة في المئة في أقل تقدير. ناهيك عن أن هذه «المهنة» باتت مصدر رزق سهل ويكفي «المنجم» أن يستولي على كتب الأبراج الصادرة بكثرة في الخارج فينقل منها وعنها. ولكن لا أحد يدري كيف تحوّل بعض «مهرّجي» أو «مهرّجات» الأبراج الى منجمين يكشفون الغيب ويستبقون صدور القرار الظني. يتكلمون بثقة كبيرة ويؤكدون ويجزمون... أحد هؤلاء المنجمين متجهّم وعبوس لا تفلت منه ابتسامة ولو ضئيلة، ويصح فيه قول الأخطل الصغير «يا عاقد الحاجبين». وآخر أليف لطيف مبتسم وودود لا يخلو وجهه من طيبة أنعم بها عليه برجه... إحدى المنجمات لا تكفّ عن الثرثرة وتصحّ فيها نكتة زياد الرحباني الطريفة عندما قال انها «تفحّ فحّاً مباشراً»... وأخرى تبدو غاية في البساطة - لئلا أقول - السذاجة حتى ليشك المشاهد أن الأبراج تأتمنها على سرّ أو توقع...