أبرز ما يستوقف في ملامح وزيرة الثقافة الفرنسية الجديدة فرانسواز نيسين هو الابتسامة الهادئة التي تلازمها وبساطة الأناقة التي توحي بها قامتها النحيلة وتسريحتها. والانطباع الذي يتولّد لدى مشاهدة صورتها هو أنها شخص جاء من الثقافة لأجل الثقافة، غير مدفوعة بأي رغبة في الظهور. حتى أول من أمس، حين تسلمت مهمات منصبها من وزيرة الثقافة السابقة أودريه أزوليه كانت نيسين على رأس دار النشر «أكت سود» التي تحتل مكانة رائدة ومميزة بين دور النشر الفرنسية الكبرى. وهي نهضت بالدار التي كانت متواضعة عند تأسيسها عام 1978 بيد والدها هوبير نيسين، وذلك بفضل نهجها الخاص الذي يمزج بين مهنة النشر والرغبة في اكتشاف الكتّاب المبدعين في فرنسا والعالم. لم يكن النشر المهنة الأساسية لنيسين المولودة في بلجيكا عام 1951، بل البحث العلمي في مجال بيولوجيا الخلايا البشرية، لكنها تحولت عن عملها في هذا المجال، وانتقلت إلى العمل في إحياء بروكسيل المهملة سعياً إلى تحسين أوضاع سكانها. ومن بروكسيل، انتقلت إلى باريس حيث التحقت بإدارة التخطيط المدني، لكنها سرعان ما ملت العمل الوظيفي وقررت العمل مع والدها وجان بول كابيتاني الذي أصبح لاحقاً زوجها في دار نشر أراد لها مؤسسها أن تكون داراً لأدب العالم. ومنذ انضمامها حقّقت «أكت سود» قفزة فعلية، خصوصاً أن ثلاثة من كتّابها، لوران غوديه وجيروم فيراري وماتياس إينار، هم من الحائزين جائزة غونكور الأدبية المرموقة، إلى جانب ثلاثة آخرين من الحائزين جائزة نوبل للأدب وهم إيمريه كيريتز وسفيتلانا إلكسيفيتش ونجيب محفوظ. وشهدت الدار توسعاً ازداد في شكل ملحوظ عندما قررت نيسين تعزيز الانفتاح على الأدب العربي، وأسندت إدارة سلسلة الكتب المترجمة من العربية إلى فاروق مردم بك، ما جعلها مرجعاً في هذا المجال في السوق الفرنسية والفرانكوفونية. فرنسواز هي «الناشر الذي يحلم به الكاتب»، تقول الكاتبة هدى بركات التي نشرت «أكت سود» ترجمات لخمسة من كتبها، «لأنها تنفرد بإيلاء كتّاب دارها اهتماماً يصل إلى حد التبني، من خلال متابعتها باهتمام أحوالهم وكل ما يقال عنهم في الإعلام». ولدى الوزيرة الجديدة وفقاً لبركات «احترام عميق لمهنة الكاتب»، تقترن مع «مودّة إنسانية رفيعة المستوى»، وتعيينها في هذا المنصب يمثل فرصة استثنائية للحياة الثقافية الفرنسية، خصوصاً «بالنظر إلى قدرتها النادرة في السيطرة على وجودها وشخصيتها». هذه القدرة على السيطرة لم تفارقها حتى عند انتحار ابنها أنطوان عن 18 سنة، بل دفعتها إلى الأمام وحملتها على تأسيس مدرسة أطلقت عليها اسم «مدرسة المجال الممكن»، وتُعنى بأوضاع تلامذة على غرار ابنها لم يتمكنوا أو لم يرغبوا بالتكيُّف مع النظام المدرسي الصارم. عندما اتصل بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون واقترح عليها وزارة الثقافة أبدت نيسين بعض التردُّد وفقاً لزوجها، لكنها قررت لاحقاً القبول بهذا التحول الجديد في سيرتها من منطلق «خدمة التزاماتها وبعض القناعات التي لديها».