استمر الهدوء الحذر في شمال السودان وجنوبه قبل ستة أيام من إجراء الاستفتاء على تقرير مصير إقليمالجنوب المرجح أن يؤدي إلى ميلاد دولة مستقلة، لكن الصراع تصاعد بين القوى الشمالية في الحكم والمعارضة في خطوة اعتبرها مراقبون «استخدام نتيجة الاستفتاء لتصفية حسابات سياسية»، ما يرجّح وقوع «معركة كسر عظم» خلال المرحلة المقبلة. ورسم حزب «المؤتمر الشعبي» المعارض «خريطة طريق» لتجنيب البلاد مخاطر التمزق والتأزم وذلك بتعزيز العمل الجماهيري والتنسيق مع القوى السياسية لإطاحة نظام الرئيس عمر البشير باعتباره «فقد الشرعية السياسية والاخلاقية» بعدما بات انفصال الجنوب شبه مؤكد وتدهورت الأوضاع في دارفور فضلاً عن «أزمة الغلاء الطاحن التي تؤدي إلى فوضى غاضبة». وقال مسؤول العلاقات الخارجية في «المؤتمر الشعبي» بشير آدم رحمة في مؤتمر صحافي أمس إن أزمة دارفور دخلت «منعطفاً خطيراً» بعد تبني الحكومة «استراتيجية امنية» للقضاء على الحركات المسلحة «بعدما أيقنت الوساطة بمعقولية مطالب اهل دارفور في إقليم موحد ومنصب نائب الرئيس»، لافتاً إلى أن هذه التطورات أربكت حسابات الوفد الحكومي إلى مفاوضات الدوحة فتقرر سحبه من المحادثات. واتهم الحكومة باستغلال فترة الاستفتاء لتنفيذ «أجندتها الامنية بعيداً من أعين المجتمع الدولي». ورهن الاستجابة إلى طرح حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم في الشمال بتشكيل «حكومة ذات قاعدة عريضة» بقبول الرئيس عمر البشير مطالب المعارضة بتشكيل «حكومة انتقالية تفضي إلى انتخابات حرة ونزيهة». واستبعد خيار اطاحة حكم الرئيس البشير ب «انتفاضة محمية بالسلاح»، وقال إنهم عازمون على اسقاط النظام بطريقة تؤدي إلى توحيد الرؤى واهداف القوى الوطنية نسبة إلى صعوبة اللجوء الى خيار عسكري لوجود ميليشيات وحركات مسلحة من شأنها أن تُربك الساحة. لكن مساعد الرئيس السوداني نافع علي نافع قلل من دعوة المعارضة إلى اطاحة الحكومة واعتبرها بمثابة «تهويش وحلم يقظة»، ودعاها إلى الكف عن «التلويح بالحناجر» وتغليب مصلحة الوطن بعيداً من الخلافات. وتأسف على تبني المعارضة زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد. وتابع: «نحن نعلم كل صغيرة وكبيرة تخططون لها ولكنهم لن يجدوا أحداً ليغرروا به». واستغرب نافع الذي كان يخاطب أمس حشداً نسائياً بمناسبة إطلاق مبادرة برلمان نساء ولاية الخرطوم ما سماه «المقاومة الذكية» التي تكشف أوراقها وتقر بأنها تسعى إلى تغيير النظام، وتساءل بسخرية «هل ينتظر هؤلاء أن يفسح لهم المجال ويفرش لهم السجاد الأحمر؟». ووصف ما يحرّك هذه الأحزاب المعارضة من أماني بأنه بمثابة «أحلام يقظة». وتابع: «حتى لا يصطدموا بالواقع الذي يدركونه فإننا نبسط لهم أيدينا أن يكفوا عن هذا الاتجاه». ونبَّه إلى أن الذين يسعون إلى إسقاط النظام من الداخل هم أولئك الذين يمررون «المخطط الصهيوني لتمزيق السودان»، مؤكداً عدم تأثر حكومته بتلك المخططات «ولو اجتمعت شياطين الأنس والجن». ووجه نداءً إلى القوى السياسية السودانية لتغليب مصلحة الوطن والنأي به بعيداً من الخلافات. وكان الرئيس عمر البشير وجه في ذكرى الاستقلال الذي يتزامن مع حلول رأس السنة الميلادية الجديدة، دعوة إلى الأحزاب المعارضة للمشاركة في حكومة تتمتع بقاعدة شعبية واسعة، من أجل توحيد الجبهة الداخلية في البلاد عقب الاستفتاء. إلى ذلك، طرح زعيم الحزب الاتحادي الديموقراطي محمد عثمان الميرغني «خطة اسعافية» لإنقاذ السودان، تشمل خيار الكونفيديرالية بين الشمال والجنوب باعتباره طريقاً ثالثاً يجنّب البلاد الانزلاق من تداعيات نتائج الاستفتاء، واعتبر المضي في اجراء الاستفتاء «مغامرة كبيرة». وانحى الميرغني في خطاب بمناسبة مرور 55 عاماً على استقلال البلاد باللائمة على شريكي الحكم خلال السنوات الخمس المقررة في اتفاق السلام (عام 2005) لجعل خيار الوحدة جاذباً للجنوبيين كي يبقوا في إطار سودان موحد. ورأى أن الفترة الانتقالية لم تفلح في جعل الوحدة جاذبة، موضحاً أن الفترة الانتقالية اعترتها العديد من المكدرات وصارت الوحدة «كاذبة». وفي السياق ذاته، طالب نائب رئيس البرلمان القومي القيادي في «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، أتيم قرنق، بفك ارتباط الجنوبيين في البرلمان القومي ومجلس الوزراء عقب الاستفتاء مباشرة في حال صوّت الجنوب لمصلحة دولة مستقلة. ووصف استمرار وجودهم في البرلمان القومي في حال الانفصال ب «الديكوري والصوري». وقال أتيم، في تصريحات أمس، إن بقاء نواب ووزراء الجنوب في الجهازين التنفيذي والتشريعي في حال الانفصال بالشمال، كما كان قبل الاستفتاء، «لن يكون عملياً»، وأوضح أن مرحلة ما بعد النتائج ستكرس لترتيبات الانتقال من دولة واحدة الى دولتين، ورأى أن ذلك يتطلب اجراءات محددة تقوم بها كل دولة في سن القوانين او اجراء تعديلات واعداد الدستور. وأضاف قرنق: «لا أعتقد انني سأدير جلسات البرلمان في حال الانفصال». وذكر أن لجنة مشتركة ستجتمع عقب اعلان النتائج لتحديد ادوار نواب الجنوب ووزرائه خلال الفترة ما قبل نهاية الفترة الانتقالية الأخيرة في التاسع من تموز (يوليو) المقبل. وفي شأن ذي صلة، أعلن وزير الإعلام في حكومة جنوب السودان برنابا مريال بنيامين أن مجلس وزراء الإقليم أصدر توجيهات الى الجهات المعنية للخروج في استقبال الرئيس البشير خلال زيارته المرتقبة لمدينة جوبا الثلثاء، قبل خمسة أيام من استفتاء تقرير مصير الجنوب. ويتوقع أن يلقى البشير خطاباً قرب ضريح زعيم «الحركة الشعبية» الراحل جون قرنق، كما سيجري خلال الزيارة التي تستمر يوماً واحداً محادثات مع رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت، لمناقشة ترتيبات الاستفتاء وقضايا ما بعده. وأكد بنجامين أنه لن تكون هناك كراهية إذا أصبح الجنوب دولة مستقلة عن الشمال، مبيناً أن حسن الجوار سيكون أساس العلاقة بين الدولتين، وأكد اشتراكهما في وحدة الاقتصاد.